تشهد جيبوتي هذه الأيام تصاعدا في حدة التوتر السياسي، مع تقارير متزايدة عن احتمال ترشح الرئيس إسماعيل عمر جيله لولاية سابعة في انتخابات أبريل 2026، رغم بلوغه السن القانونية القصوى للترشح وفق الدستور، ورغم تكهنات سابقة بأن حالته الصحية قد تمنعه من الاستمرار في الحكم.
جيله بين الدستور والضغط العشائري
الرئيس إسماعيل عمر جيله، البالغ من العمر 77 عاما والمولود عام 1947، يحكم البلاد منذ عام 1999. وفي عام 2010، قام بتعديل دستوري ألغى بموجبه الحد الأقصى لفترتين رئاسيتين، ما فتح الباب لاستمراره في السلطة. واليوم، يبدو أن عقبة دستورية جديدة تقف أمامه، حيث يمنع الدستور الجيبوتي من هم فوق سن 75 عاما من الترشح للرئاسة.
لكن مراقبين، ومنهم المحلل السياسي رشيد عبدي، يرجحون أن الرئيس الحالي قد يسعى لتعديل دستوري جديد لإلغاء شرط السن، مما يمكنه من خوض الانتخابات القادمة، بضغط من عشيرته القوية عيسى/ماماسان، التي تهيمن تقليديا على مفاصل الدولة.
ويقول عبدي “يبدو الآن من المرجح جدا إجراء تعديل دستوري لإلغاء شرط السن”.
صراع الخلافة: بين نجيب وجيلدون
في الوقت الذي راجت فيه التوقعات سابقا حول إعداد جيله لخليفة محتمل، تشير المعطيات إلى أنه كان يهيئ نجيب كامل، ابن زوجته، لتولي السلطة. نجيب ينتمي إلى العفر، الذين يمثلون حوالي 35% من سكان البلاد، مقابل 60% لقبيلة عيسى بحسب إحصاءات (دونيلي، 2022).
لكن هذا التوجه قوبل برفض ضمني من عشيرة عيسى، حيث لم يكن نجيب خيارها المفضل، وفق ما أكده رشيد عبدي:”فضلت عشيرة عيسى مرشحا من داخلها للحفاظ على استمرارية هيمنتها التقليدية”.
وفي خضم هذا التوتر، أعلن أليكسيس جيلدون، مساعد الرئيس المخضرم، استقالته من الحكومة، وسط حديث عن طموحاته الرئاسية واحتمالية ترشيحه من قبل قبيلة عيسى/ماماسان لمواجهة نجيب.
وأضاف عبدي.”جيلدون لديه طموحات، ومن المرجح أن ترشحه قبيلته لإحباط ترشح نجيب”
هندسة سياسية داخلية لإقصاء المنافسين
شهدت الأشهر الماضية تحركات داخل النظام السياسي الجيبوتي لتمهيد الطريق أمام نجيب، أبرزها إعفاء محمود علي يوسف، وزير الخارجية السابق والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، من منصبه – وهو أيضا من العفر. وقد اعتبر المراقبون ذلك خطوة لإقصاء المنافسين المحتملين من نفس العرق الذي ينتمي إليه نجيب.
السيناريوهات المتوقعة وتداعياتها
في حال ترشح جيله مجددا، فإن ذلك يضعف فرص جيلدون، ويعقد معادلة الخلافة داخل قبيلة عيسى.
في المقابل، فإن دعم نجيب من والدته النافذة قد يشكل اختبارا لمدى النفوذ العائلي في مقابل التوازن العشائري.
تعديل الدستور لإلغاء شرط السن سيفتح الباب أمام انتقادات محلية ودولية، خاصة في ظل دعوات متزايدة لفتح المجال أمام تداول السلطة.
وحذر عبدي”أي تعديل آخر للدستور قد يؤجج السخط، ويعمق مظالم العفر، ويزعزع استقرار البلاد”.
جيبوتي وموقعها الإقليمي الحساس
جيبوتي تعد واحدة من أكثر دول القرن الأفريقي استقرارا، ما يجعلها شريكا استراتيجيا مهما للولايات المتحدة وفرنسا والصين في المنطقة، حيث تستضيف قواعد عسكرية أجنبية مهمة.
لكن أي اضطراب سياسي داخلي قد يهدد هذا الاستقرار، ويؤثر على المعادلات الجيوسياسية في المنطقة.
مع اقتراب انتخابات 2026، تبدو جيبوتي على مفترق طرق بين الاستمرار في النموذج السلطوي التقليدي أو الانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة تعيد ترتيب التوازنات العرقية والعشائرية في البلاد.










