بعدما تجاوز منسوب النيل الأزرق في الخرطوم عتبة الفيضان البالغة 16.50 متر مسجلا 16.64 متر، على وقع تصريف مرتفع من سد النهضة يناهز 635 مليون متر مكعب يوميا، حذر السودان من فيضان النيل الأزرق في السودان بعد تجاوز المنسوب حد الخطر.
تحذير السودان سكان صفاف النيل الأزرق
وأهابت السلطات السودانية بالسكان على ضفاف النيل الأزرق من الروصيرص حتى الخرطوم وعلى ضفاف نهر النيل من الخرطوم حتى مروي اتخاذ الحيطة وحماية الأرواح والممتلكات مع احتمال مزيد من الارتفاعات خلال الساعات القادمة بحسب سياق الهيدرولوجيا الموسمية وتواصل الواردات من الهضبة الإثيوبية.
منسوب النيل الأزرق بمحطة الخرطوم
سجل منسوب النيل الأزرق بمحطة الخرطوم 16.64 متر يوم الأربعاء/الخميس، متخطيا منسوب الفيضان المحدد عند 16.50 متر، وهو أعلى مستوى لهذا العام حتى الآن، ما يعزز خطر فيضان ضفاف النهر في المواقع المنخفضة والمأهولة قرب مجرى النيل الأزرق والمجرى الرئيس شمال المقرن.
ويأتي هذا الارتفاع بالتزامن مع زيادة التصريف من بحيرة سد النهضة إلى نحو 635 مليون متر مكعب يوميا مع استمرار الأمطار وتعطل توربينات التوليد، بحسب ما أورده خبير المياه المصري عباس شراقي.
إنذارات رسمية ومسارات الخطر
وأعلنت جهات الاختصاص السودانية تنويهات تحذيرية للسكان على ضفاف النيل الأزرق من الروصيرص إلى الخرطوم، وعلى ضفاف نهر النيل من الخرطوم إلى مروي، نتيجة زيادة الواردات بالنيل الأزرق واتساع نطاق المخاطر الفيضية المحلية على امتداد السهول الفيضية.
وتؤكد تحديثات أممية سابقة أن عتبة الخطر الفيضي في الخرطوم تحدد عند 16.5 متر، وأن تجاوزها يرفع احتمالات الفيضان الموضعي، مع الإشارة إلى أن موسم الأمطار في السودان ينتهي عادة بنهاية سبتمبر وإن ظلت موجات الأمطار في الهضبة الإثيوبية قادرة على تغذية الوارد في أواخر الموسم ببعض السنوات
قراءة في وضع سد النهضة
تفيد تحليلات منشورة بأن التخزين الكامل للبحيرة منذ سبتمبر الماضي وتراجع كفاءة تشغيل التوربينات وغياب تصريف تدريجي قبل موسم الفيضان، ضيقت هامش استيعاب السد للوارد الجديد واضطرت الإدارة لفتح بوابات مفيض عليا والممر الأوسط لتصريف المياه، ما انعكس على تصاعد مناسيب النيل الأزرق في السودان خلال الأسبوع الجاري.
وتقدر تلك القراءات أن موجة التصريف الراهنة تزيد بأكثر من 200 مليون متر مكعب يوميا على معدل الأمطار الحالي، بما يضغط على المجرى متجها نحو الخرطوم ثم الشمال.
الأرقام القياسية
ييذكر الارتفاع الحالي بسنة الذروة 2020 حين لامس منسوب النيل الأزرق/النيل عند الخرطوم مستويات قياسية تاريخية، وقد وثقت تقارير أن الذروة تعدت 17.6 متر في سبتمبر من ذلك العام، مع إشارات سابقة إلى تسجيلات قياسية مبكرة خلال أغسطس من العام نفسه.
ويعكس ذلك حساسية الخرطوم الشديدة لذروة فيض النيل الأزرق في أواخر الموسم المطير في الهضبة الإثيوبية، مع ضعف القدرة الاستيعابية الحضرية في مناطق توسع عمراني على ضفاف النهر.
لماذا ترتفع المناسيب الآن؟يتزامن أواخر سبتمبر عادة مع مرور قمة الفيضان الزرقاوي، لكن خصوصية هذا العام ترتبط بتركيبة مزدوجة: استمرار واردات أمطار فوق المعتاد على مسارات روافد عليا في الإقليم، وتزايد التصريف من خزان سد النهضة مع امتلاء البحيرة وتعطل التوليد، ما يولد موجة جريان مرتفعة باتجاه السودان.
وتفيد تحديثات إنذارات مبكرة إقليمية بأن مخاطر الأنهار ارتفعت على امتداد الحوض خلال أواخر أغسطس ومنتصف سبتمبر، وهو ما تدعمه خارطة توقعات الفيض المحتمل المنشورة عبر منصات أممية.
إدارة السيول والدور التنظيمي للسدود السودانية
توضح وثائق فنية أن وزارة الري والموارد المائية في السودان تلجأ لإجراءات تنظيمية عندما تتجاوز التصاريف حدودا حرجة بمحطات رئيسية مثل “الديم”، بما يشمل إدارة تصاريف خزان الروصيرص وتقليل منصرف القنوات الزراعية للحد من الأثر على السهول الفيضية حتى تمر الموجة العالية.
وتدل نتائج دراسات تطبيقية أن الدمج بين توقعات مبكرة وإدارة مرنة للتخزين والتصريف في منظومة الخزانات يمكن أن يخفض ذروة الفيضان بمقادير ملموسة، كما حدث في مقارنة مواسم 2020 و2021 داخل الخرطوم.
قابلية التأثر الحضرية في الخرطوم
وتظهر قراءات بحثية أن التوسع العمراني السريع في الخرطوم خلال عقود مع محدودية البنية التحتية للصرف والتموضع بمحاذاة الضفاف في مناطق منخفضة، يزيد هشاشة الأحياء لمخاطر فيض الأنهار الموسمية، ولا سيما حين تتزامن موجات النيل الأزرق العالية مع قيود تصريف على النيل الأبيض.
وتوصي التحليلات بتعزيز أدوات الرصد الجغرافي والإنذار المبكر وتخطيط استعمالات الأراضي لتقليل التعرض وتوجيه التنمية بعيدا عن مناطق الخطر المتكرر.
وقال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي إن “زيادة التصريف الإجباري من بحيرة سد النهضة إلى نحو 635 مليون متر مكعب يوميا مع توقف التوربينات فتحت الباب لارتفاعات جديدة في الخرطوم”، محذرا مما وصفه بـ“تخبط” إداري في إدارة السد خلال ذروة الموسم.
وأكد أن “السد العالي في مصر مستعد هيدروليكيا لاستقبال تلك الكميات بالتوازي مع مياه النيل الأبيض”، في وقت تسجل بحيرة ناصر ارتفاعات يومية رغم ذروة الاستخدامات المائية داخليا.
ماذا تعني الأرقام للساعات والأيام المقبلة؟
تجاوز عتبة 16.5 متر في الخرطوم يعني دخول نطاق خطر فيضي، ومع استمرار التصريف المرتفع ومرور موجات الواردات من أعلى الحوض، يحتمل استمرار الضغوط على مناسيب النهر محليا قبل أن تنحسر مع تراجع الواردات الموسمية بنهاية سبتمبر وأوائل أكتوبر عادة.
وتبقى سرعة الاستجابة المحلية تحصين الضفاف، رفع المضخات، حماية المخزون، إخلاء البؤر المنخفضة عاملا حاسما لتقليص الخسائر خلال أية ذروة قصيرة الأمد..
البيانات الراهنة تشير إلى ذروة مائية مرتفعة على النيل الأزرق عند الخرطوم بفعل تداخل موجات التصريف من سد النهضة مع واردات مطرية إقليمية، ما يستدعي يقظة مستمرة وتدابير حماية سريعة في البؤر الحساسة حتى انتهاء الذروة الموسمية خلال الأيام المقبلة.
ومع اتساع الفجوة بين القدرة الحضرية على الاستيعاب وشدة الظواهر المتطرفة، يبرز الاستثمار في الإنذار المبكر وإدارة الخزانات والتخطيط الحضري المقاوم للمخاطر كرافعات لا غنى عنها لتقليص التعرض والحد من الأضرار مستقبلا.










