عبرت مصر عن إحباطها الشديد من مشاركة الرئيس الكيني ويليام روتو في حفل الإطلاق رفيع المستوى لتشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي أقيم مؤخرا في إثيوبيا، معتبرة أن هذه الخطوة تقوض المفاوضات الجارية حول مستقبل مياه نهر النيل وتطرح تساؤلات حول مواقف بعض دول الحوض.
وقال السفير حاتم يسري حسني، سفير مصر لدى كينيا، إن بلاده تتفهم حاجات الدول الشقيقة لتوليد الكهرباء والتنمية، لكنها ترى في مشاركة كينيا “خطوة غير منسقة” و”مخيبة للآمال” في ظل عدم دعوة أو مشاركة أي دولة أخرى من دول الحوض في هذا الحدث، باستثناء كينيا، فيما وصف جيبوتي والصومال بأنهما خارج منظومة حوض النيل.
وأكد حسني أن بناء وتشغيل سد النهضة تم دون اتفاق قانوني ملزم، وهو ما ينتهك قواعد القانون الدولي بشأن الأنهار العابرة للحدود.
كما جدد التذكير بأن مصر “لا تعارض الاستفادة من المياه لأغراض الكهرباء”، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في “تهديد الأمن المائي القومي المصري بسبب غياب الضمانات”.
أزمة ثقة ومخاوف مائية
وأوضح السفير أن مصر، رغم هذه “الخيبة الدبلوماسية”، لا تزال ترى في كينيا “صديقا موثوقا”، مؤكدا على أهمية التوازن في العلاقات الثنائية. وأضاف:”نحن نمد كينيا بالماء، ونرحب بالتعاون معها في قطاعات الكهرباء والرعاية الصحية والإسكان. لكن نهر النيل بالنسبة لنا شريان حياة وجودي لا نقبل المساومة عليه”.
وأشار إلى أن مصر تحاول منذ أكثر من عقد التوصل إلى اتفاق ثلاثي ملزم مع إثيوبيا والسودان، يضمن حقوق جميع الأطراف ويحفظ الأمن الإقليمي، لكن محاولات التفاوض – خاصة خلال رعاية الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق ترامب – باءت بالفشل بسبب انسحاب إثيوبيا من الجولات النهائية.
دعوات للحوار ومواقف متباينة
في المقابل، دعا رئيس الجمعية الوطنية الكينية “البرلمان” موسى ويتانجولا، القاهرة إلى السعي نحو حل شامل يضم كل الدول المعنية بحوض النيل، وليس الاقتصار على التفاوض مع إثيوبيا فقط.
وقال خلال لقائه بالسفير المصري:”إذا كانت لديكم مشكلات بشأن النيل، لا تحصروا الأمر في إثيوبيا وحدها. كينيا مساهم كبير في مياه النيل من بحيرة فيكتوريا، ولدينا مصلحة جماعية في إدارة المورد المائي بعدالة”.
وشدد ويتانجولا على أن المياه يجب أن تكون وسيلة للتقارب لا للتنازع، مؤكدا أن الإجراءات الأحادية لن تؤدي سوى إلى مزيد من التوتر في القرن الأفريقي، الذي يعاني أصلا من هشاشة إقليمية.
خلفية أزمة سد النهضة
يشار إلى أن سد النهضة الإثيوبي، الذي بدأ العمل الفعلي في توليد الطاقة منه، يعد أكبر مشروع كهرومائي في أفريقيا، وقد أشعل الخلاف بين مصر وإثيوبيا منذ انطلاق إنشائه عام 2011، نظرا لاعتماده على النيل الأزرق، أحد الروافد الأساسية لنهر النيل الذي تعتمد عليه مصر بنسبة تزيد عن 90% في تأمين احتياجاتها من المياه.
مصر تعتبر السد تهديدا مباشرا لأمنها المائي والغذائي، في حين تصر إثيوبيا على أن السد مشروع تنموي حيوي ولن يسبب ضررا لدول المصب.
ما القادم؟
تشير المعطيات إلى أن التوتر الإقليمي حول السد لا يزال مستمرا، رغم المحاولات المتكررة لاستئناف المفاوضات. وتحذر مصر من استمرار سياسة الأمر الواقع، وتؤكد أنها لن تقبل أي حل لا يضمن حقوقها التاريخية والمائية في نهر النيل.
في المقابل، يبدو أن مشاركة كينيا في افتتاح السد أثارت تحفظا دبلوماسيا مصريا واضحا، قد يلقي بظلاله على العلاقات الثنائية ما لم تتبع بخطوات توضيحية أو توازنية.










