في الوقت الذي تحتفل فيه القوات الأمريكية بتقدمها في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، يكشف واقع العمليات العسكرية الحديثة أن الولايات المتحدة لا تزال متأخرة بشكل ملحوظ عن منافسيها في ميدان استخدام الطائرات المسيرة منخفضة الكلفة في الحرب الحقيقية، خصوصا مقارنة بالتجارب المكثفة التي شهدتها ميادين القتال مثل أوكرانيا.
ورغم الإنجازات التي حققها الجيش الأمريكي مؤخرا – بما في ذلك نجاح إسقاط قنابل يدوية من طائرات مسيرة رباعية المراوح، أو اعتراض طائرة مسيرة أخرى باستخدام طائرة مماثلة – إلا أن هذه التكتيكات ليست حديثة، بل أصبحت اعتيادية في ساحات قتال مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، بل استخدمتها جماعات مثل “داعش” في العراق منذ قرابة عقد.
استخدامات مألوفة.. ولكن متأخرة
في يوليو الماضي، نشر حساب عسكري أمريكي مقطع فيديو يظهر جنديا يسقط قنبلة يدوية M67 من طائرة درون خلال تدريب في ألمانيا.
ورغم محاولة تقديم المشهد كابتكار، قوبل الفيديو بانتقادات واسعة، حيث أن هذا النوع من الاستخدام معروف منذ سنوات، بل وتم ابتكاره وتطويره عمليا على يد قوات أوكرانية في مواجهة الجيش الروسي.
وتعليقا على الفيديو، كتب أحد المحللين العسكريين:”إذا كان الجيش الأمريكي يتفاخر اليوم بما فعلته داعش في الموصل قبل 10 سنوات، فهذه علامة واضحة على مدى تأخرنا.”
فجوة في التجهيز والاستيعاب
ورغم اعتراف الجيش الأمريكي نفسه بهذا التأخر، إلا أن هناك تحركا لتدارك الفجوة، حيث تستمر التجارب لاستخدام الطائرات المسيرة في بيئات مناخية متنوعة، وتدرج في مناهج تعليمية للجنود في المحيط الهادئ ومناطق أخرى.
رئيس دورة تدريبية مكثفة جديدة صرح قائلا:”نحن متخلفون عن العالم… وهذه محاولتنا الحثيثة لسد الفجوة.”
وفي رد رسمي لموقع بيزنس إنسايدر، أشار الجيش الأمريكي إلى أن تطوير هذه الأنظمة “أمر حيوي للحفاظ على التفوق التكنولوجي وحماية القوات”، لكنه لم ينف تأخره في هذا المضمار.
خبراء: واشنطن لم تحتج… ولم تبتكر
بحسب زاكاري كالينبورن، الخبير في الطائرات بدون طيار والأنظمة غير المأهولة، فإن الولايات المتحدة لم تكن بحاجة ماسة لتطوير أدوات الحرب منخفضة الكلفة، مما جعلها أقل كفاءة في هذا النوع من الابتكار. في المقابل، حفزت أوكرانيا على التجريب والتطوير، مما قادها إلى ابتكار تقنيات ذكية ورخيصة أثبتت فعاليتها ميدانيا.
وأضاف كالينبورن:”أوكرانيا حولت الطائرات التجارية الرخيصة إلى أنظمة عسكرية قاتلة… بينما ما زال الجيش الأمريكي في مرحلة التجريب الأساسي.”
مستقبل الحرب: “درون ضد درون”
أصبح القتال بين الطائرات المسيرة، بما فيها الاعتراض المباشر، والتصادم، والتشويش الإلكتروني، جزءا لا يتجزأ من تكتيكات الحرب الحديثة، كما في أوكرانيا، حيث يتم استخدام آلاف الطائرات المسيرة الاعتراضية بديلا منخفض الكلفة لصواريخ الدفاع الجوي التقليدية.
لكن الجيش الأمريكي لا يزال في مرحلة تجريب هذه المفاهيم عمليا، في حين أصبحت الدول والمجموعات المسلحة الأخرى تستخدمها يوميا كجزء من عقيدتها القتالية.
مجهودات متأخرة ومحدودة
في محاولة لتعزيز الجهوزية الدفاعية، أعلن البنتاغون توزيع مجموعات مضادة للطائرات المسيرة على ثلاث منشآت عسكرية في البلاد: واحدة على الساحل الشرقي، أخرى على الساحل الغربي، وثالثة في ألاسكا.
وأكدت وزارة الحرب الأمريكية أن هذه المجموعات تأتي ضمن خطة “الاستجابة السريعة” لتعويض النقص في الأنظمة الدفاعية الفورية داخل القواعد الأمريكية، لكنها أقرت أن “الموارد المحلية غير كافية في بعض الأحيان”.
نهاية عصر.. وبداية أخرى
يأتي كل ذلك في وقت تتجه فيه واشنطن إلى إخراج حاملة الطائرات الأسطورية USS Nimitz من الخدمة بحلول 2026، بعد أكثر من 50 عاما من العمليات العسكرية في الشرق الأوسط وآسيا، ما يعكس تحولا استراتيجيا محوريا في طبيعة القوة الأمريكية، من الهيمنة التقليدية إلى الحرب غير المتماثلة.
هل تستطيع واشنطن اللحاق؟
رغم التقدم، يبدو أن الجيش الأمريكي يركض خلف خصومه في سباق الطائرات بدون طيار الصغيرة والمسيرة. النجاحات الأخيرة، رغم رمزيتها، تبرز حجم الفجوة أكثر مما تعالجها.
ويبقى السؤال المفتوح: هل ستستطيع الولايات المتحدة تجاوز عقيدتها العسكرية الثقيلة والاستثمار الجاد في أدوات الحرب الجديدة قبل أن تفرض عليها المواجهة؟










