كشفت مصادر استقصائية مطلعة عن اختفاء منظومة دفاع جوي صينية حديثة من طراز FB-10A، كانت قد اشترتها القوات الجوية التشادية مطلع عام 2025 بملايين الدولارات، في صفقة وصفت آنذاك بأنها “تعزيز استراتيجي لقدرات الدفاع الوطني”.
لكن تحقيقا موسعا أجرته منصة “تشاد ون”، استنادا إلى وثائق رسمية مسربة وتقارير سرية للأمم المتحدة، يظهر أن هذه المنظومة لم تستخدم أبدا داخل الأراضي التشادية. بل انتقلت مباشرة إلى السودان، حيث استقرت في أيدي قوات الدعم السريع، في انتهاك صريح لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بحظر تصدير الأسلحة إلى أطراف النزاع في البلاد.
في الظاهر: صفقة تقليدية… في الخفاء: تهريب عابر للحدود
في فبراير 2025، وقعت هيئة الأركان العامة للقوات الجوية التشادية خطاب نوايا مع شركة صينية كبرى لشراء منظومة FB-10A، وهي منصة دفاع جوي قصيرة المدى تعتمد على تكنولوجيا متطورة. بلغت قيمة الصفقة عشرات الملايين من الدولارات، تم تحويلها عبر البنوك الأمريكية بالدولار.
لكن المنظومة، وبحسب مصادر مطلعة ووثائق رسمية اطلعت عليها “تشاد ون”، اختفت فور تسلمها من قبل الجيش التشادي. لم تسجل في أي من مستودعات الأسلحة، ولم تظهر في أي تدريب أو عرض عسكري. وبعد أسابيع، اكتشف وجودها في السودان، بحوزة فصيل مسلح مدعوم من الإمارات، متورط في النزاع الأهلي الجاري هناك.
القيادات المتورطة: جنرالات وعلاقات دبلوماسية
في مقدمة المتورطين بالعملية، يظهر اسمان بارزان الجنرال أمين إدريس – رئيس أركان القوات الجوية، والجنرال جودجي جيلي حمشي – نائب مدير جهاز الأمن الوطني (ANS)، والذي يستخدم اسم “حسين جيله حمشي” في وثائق سفره وجوازه الدبلوماسي

تظهر الوثائق التي حصلت عليها “تشاد ون” رسائل رسمية موقعة بأسمائهما، إلى جانب نسخ من جوازات السفر الدبلوماسية التي استخدماها لتقديم نفسيهما إلى الشركة الصينية وإتمام العملية.
تمويل إماراتي وغسيل أموال ثلاثي
ووفقا لمصادر داخل الرئاسة التشادية، تم تمويل هذه الصفقة المشبوهة من أموال إماراتية، ضمن اتفاق ثلاثي غامض ضم دبي، بكين، ونجامينا، جرى ترتيبه لإخفاء مصدر الأموال عبر دولة ثالثة لا ترغب في أن تذكر في سجلات التهريب الدولية.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية لتشاد ون:”كل شيء كان معدا لإخفاء هوية الممول الحقيقي، وتطهير الأموال في مسارات مصرفية معقدة، بعيدا عن أعين الرقابة الدولية”.
خرق للحظر الدولي… وتأكيد أممي
تحقيق “تشاد ون” يتطابق مع تقرير سري أصدره فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالسودان، والذي يؤكد أن منظومة FB-10A التي اختفت من تشاد قد استخدمت فعليا في العمليات العسكرية بالسودان.

ويؤكد التقرير أن “مصدر المنظومة هو تشاد، وأن عملية النقل تمت بتنسيق مباشر بين ضباط عسكريين تشاديين وجهات خارجية، في خرق واضح وصريح للقرارات الأممية”.
فضيحة مدوية تهدد سمعة تشاد
بالنسبة لمراقبين وخبراء أمميين، لا مجال للشك: أقارب الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي (محمد كاكا) متورطون شخصيا في هذه العملية. وتذهب التحليلات إلى اعتبار تشاد اليوم دولة ناقلة للسلاح في صراعات إقليمية.
صرح دبلوماسي أفريقي مقيم في نجامينا لمنصة “تشاد ون””ما يجري ليس مجرد صفقة فاسدة، بل هو تحول تشاد إلى شريان تهريب تديره مافيا عسكرية:عائلية، لا ترى في الدولة سوى غطاء لتجارة مربحة”.
الجوع في الداخل… والتمويل للحرب في الخارج
بينما تعاني تشاد من أزمات إنسانية حادة، ونقص مزمن في الدواء والمستلزمات الطبية، تحول السلطة ملايين الدولارات لدعم نزاع خارجي. هذا التناقض المروع يذكر، كما قال أحد المحللين، بـ”حقبة الفوضى الليبية”، حين كانت الأسلحة تباع وتنقل في الظل، تحت غطاء الدبلوماسية.
يضع هذا التحقيق الضوء على واقع مخيف: دولة أصبحت تحت سيطرة شبكة من الضباط والممولين الخارجيين، تدير مقدراتها بالتحايل والتهريب، وتدفعها شيئا فشيئا نحو العزلة الدولية والعقوبات المحتملة.










