شهدت مصر في السنوات الأخيرة تصاعدًا في الاهتمام الرسمي والإعلامي بقضية المخزون السلعي والتمويني كإحدى الأدوات الاستراتيجية الأساسية لمواجهة الاضطرابات العالمية والأزمات المفاجئة في سلاسل الإمدادات. وتكشف التقارير الوزارية أن الدولة قطعت شوطًا غير مسبوق في تأمين السلع الأساسية وتمديد مدد الأمان لتغطية احتياجات المواطنين لفترات طويلة نسبيًا مقارنة بدول الجوار وحتى بعض الاقتصادات الناشئة
.استراتيجية الدولة في تأمين المخزونأكدت وزارة التموين والتجارة الداخلية، في أكثر من مناسبة، أن الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الأساسية بلغ مستويات آمنة للغاية، حيث تكفي غالبية السلع لفترة لا تقل عن 6 أشهر، مع سعي القطاع الحكومي لزيادة المدد لتقترب من 9 إلى 12 شهرًا في بعض الأصناف، أبرزها القمح والسكر والزيوت النباتية
.ويعتمد هذا التحسن على مضاعفة السعة التخزينية للصوامع والمستودعات الاستراتيجية التي يجري تنفيذها على مستوى الجمهورية، حيث ارتفعت القدرة التخزينية الحكومية للقمح من 1.2 مليون طن قبل سنوات إلى ما يفوق 3.5 مليون طن، مع خطط للمضاعفة إلى 6 ملايين طن بحلول 2026
.المؤشرات الرقمية للمخزون الحاليبحسب آخر الإحصاءات الرسمية الصادرة في النصف الثاني من 2025:يتجاوز احتياطي القمح حاجز الـ6 أشهر، مع استمرار موسم التوريد المحلي وارتفاع واردات القمح المستورد بنسبة تفوق 28% عن العام السابق، لتصل إلى 6.8 مليون طن خلال أول ستة أشهر من العام
.يكفي احتياطي السكر لتغطية 12 شهرًا، مدعومًا بتعزيز الإنتاج المحلي والصفقات الاستيرادية الموسمية
.تغطي الزيوت النباتية احتياجات البلاد لمدة 4 أشهر تقريبًا، مع جهود لتنويع مصادر الاستيراد تحسّبًا لتقلبات الأسواق العالمية
.اللحوم والدواجن المجمدة يتوافر لها رصيد استراتيجي يتجاوز العام الكامل للأنواع المستوردة
يعتمد السوق على شبكة توزيع ضخمة تضم أكثر من 30 ألف تاجر و1070 مجمعًا استهلاكيًا وآلاف المنافذ المتنقلة المنتشرة في المناطق النائية
.إجراءات استباقية لمواجهة الأزمات الخارجيةترافقت كل تلك الإنجازات مع حالة تأهب موسعة اتخذتها الدولة، خصوصًا في ضوء تصاعد التوترات الإقليمية والعالمية التي تهدد الأمن الغذائي في أكثر من منطقة
. وشملت الإجراءات:زيادة التعاقدات مع دول موردة رئيسية وموزعين دوليين لضمان استمرارية التدفقات السلعية.تطوير آليات التخزين وأساليب التوزيع، وتقليل حلقات التداول وخفض تكاليف النقل.مصادرة أي عمليات احتكار وضبط المخالفات بالتعاون مع الأجهزة الرقابية، حفاظًا على كفاءة الأسواق وعدالة الأسعار
.تفعيل دور البورصة السلعية كآلية جديدة لضبط المنظومة وتحقيق الشفافية في تداول السلع الأساسية
.تحديات مستقبلية وخطط التوسععلى الرغم من التطمينات الرسمية حول وفرة واستقرار المخزون، تبقى هناك تحديات قائمة أهمها:ضمان استمرار تدفقات السلع الإستراتيجية حال تفاقم الأزمات الجيوسياسية العالمية
.الاستمرار في زيادة معدلات الاكتفاء الذاتي، خاصة في ظل الزيادة السكانية والتحولات المناخية وتأثيرها على الإنتاج الزراعي المحلي
.تطوير نظم تخزين حديثة وتكنولوجية للحد من الفاقد وتحقيق أفضل استغلال للإمكانات المتاحة
.وتسعى الحكومة إلى استكمال منظومة المناطق اللوجستية الكبرى على مستوى الجمهورية، ورفع تصنيف مصر في مؤشرات الأمن الغذائي والاحتياطيات الاستراتيجية، ليكون المخزون المحلي دائمًا عند مستويات أمان تفوق المتوسط العالمي وتقي البلاد الوقوع في أزمات شح أو ارتفاع أسعار غير مبرر
.خاتمة
تضع مصر، برؤية استباقية وجدية تنظيمية، ملف المخزون السلعي والتمويني على قمة أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية. ومع استمرارية الأزمات الدولية وتذبذب أسواق السلعة والأمن الغذائي، تمثل قوة احتياطي السلع ومدده أداة حيوية لبقاء الاستقرار المجتمعي والاقتصادي، وتمنح صانع القرار السيادي مساحة سلامة في زمن الشكوك والتحولات المتسارعة










