أثار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ضجة واسعة في الساعات الأخيرة بعد أن نشر عبر منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي منشوراً وصفه كثيرون بالغريب والغامض، تحدث فيه عن “إنجازات عظيمة في الشرق الأوسط سيتم الكشف عنها قريباً”
. هذا التصريح، الذي جاء دون تفاصيل أو شروحات، فتح الباب أمام سيل من التكهنات في العواصم العربية والدولية، وطرح أسئلة حول طبيعة هذه الإنجازات التي يلمّح إليها ترامب وهل تتعلق فعلًا بالسياسة الإقليمية أم أنها لا تعدو كونها جزءاً من حملته الانتخابية المتصاعدة استعداداً للاستحقاق الرئاسي الأميركي المقبل.خلفية تاريخية تعزز الغموضمن المعروف أن فترة حكم ترامب بين عامي 2017 و2021 شهدت أحداثاً ساهمت في إعادة تشكيل المنطقة الشرق أوسطية.
فقد رعى ما سُمّي بـ”اتفاقيات أبراهام” التي دشّنت سلسلة من التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وكان يعتبرها واحداً من أبرز إنجازاته الدبلوماسية.
كما ارتبطت بحقبة ترامب بقرارات مثيرة مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وهي خطوات أحدثت تحولات عميقة وأثارت انقساماً واسعاً.هذا الماضي المليء بالقرارات المثيرة يجعل أي إشارة جديدة من ترامب ذات وقع خاص، خاصة وهو يتحدث الآن عن “إنجازات قادمة”.
الصحافة الأميركية بدأت بطرح احتمالات عدة: هل يعود ترامب لطرح جولة ثانية من “صفقات القرن”؟ هل هناك اتصالات خلف الكواليس بين حملته السياسية وبعض القوى الإقليمية؟ أم أن الأمر مجرد استدعاء لإنجازاته السابقة في ملف الشرق الأوسط كجزء من خطابه الانتخابي وليس أكثر؟قراءة في التوقيت السياسياللافت أن منشور ترامب جاء بالتزامن مع ارتفاع سخونة الأوضاع في الشرق الأوسط، سواء بسبب استمرار النزاع في غزة، أو تعثر مفاوضات إيران والغرب حول الملف النووي، أو التوتر المستمر في البحر الأحمر بفعل هجمات الحوثيين. في ظل هذه التحديات، يصبح أي حديث عن “إنجازات عظيمة” بمثابة إثارة كبرى للرأي العام، وربما رسالة مزدوجة موجهة للداخل الأميركي ولحلفاء واشنطن في المنطقة.بالنسبة لمتابعي السياسة الأميركية، لا يبدو الأمر بعيداً عن استراتيجية ترامب المعتادة؛ فهو بارع في إطلاق التصريحات المقتضبة التي تفتح شهية وسائل الإعلام وتضعه في صدارة العناوين. ومع ذلك، فإن عبارة “إنجازات قادمة في الشرق الأوسط” هذه المرة توسّعت في تأثيرها لأنها تلامس واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى بالنزاعات المحلية
.التوقعات والسيناريوهات المحتملةيرى بعض المحللين أن ترامب ربما يلمّح إلى مبادرة سياسية أكبر ترتبط بحل النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي، خصوصاً في ظل الدعوات الأميركية والأوروبية الأخيرة لإحياء مسار التسوية. ورغم صعوبة ذلك في توتر الأوضاع الراهن، فإن ترامب معروف بميله لإطلاق مبادرات كبرى ذات طابع استعراضي.احتمال آخر هو أن ترامب يسعى للتمهيد لإطلاق مبادرة اقتصادية أو استثمارية ضخمة في المنطقة تتماشى مع خطط بعض الدول العربية الرامية للتحول الاقتصادي، وهو أمر قد يسعى لتسويقه كرجل أعمال ورئيس سابق.لا يستبعد آخرون داخل الأوساط الدبلوماسية أن تكون الرسالة مجرد تذكير بالاتفاقيات التطبيعية التي رعاها خلال ولايته الأولى، أي محاولة لتقديمها على أنها أرضية لتحقيق مزيد من الإنجازات “في المستقبل” حال عودته للبيت الأبيض.في المقابل، يحذر بعض المراقبين من أن مثل هذه الرسائل قد تعكس توجهاً لإثارة ملفات خلافية جديدة، خصوصاً أن ترامب كان أكثر الرؤساء جرأة في اتخاذ قرارات صادمة، قد يجددها إذا ما عاد إلى الحكم
.المواقف الإقليميةالعواصم العربية أبدت تريثاً في التعليق المباشر على ما طرحه ترامب. مصادر غير رسمية في بعض الدول الخليجية أشارت إلى أن الرجل لا يزال مؤثراً في دوائر القرار الأميركية، وأن أي إشارات منه تستوجب متابعة حذرة. في إسرائيل، اعتبر بعض المحللين الإعلاميين أن ترامب ربما يشير إلى جهود دفع مزيد من الدول نحو مسار التطبيع، وهو أمر تعتبره تل أبيب إنجازاً استراتيجياً.أما في طهران، فقد نقلت وكالات إيرانية ما نشره ترامب بشكل مقتضب، واكتفت بتعليقات إعلامية تشكك في مصداقيته، معتبرة أن أي إنجازات موعودة ستظل مرهونة بقدرة واشنطن على تغيير سياساتها العدائية تجاه الجمهورية الإسلامية.
وعلى الضفة الأخرى، تداول نشطاء عرب عبر مواقع التواصل المنشور بلهجة ساخرة، واعتبروه مجرد “فقاعة انتخابية” جديدة من ترامب لإعادة لفت الأنظار.تأثير مباشر على الداخل الأميركيمن الجانب الأميركي، يرى مراقبون أن منشور ترامب لا ينفصل عن أجواء السباق الانتخابي. فاختيار ملف الشرق الأوسط تحديداً يمنحه فرصة لإبراز تفوقه على إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، الذي يتعرض لانتقادات تتعلق بفشل سياسة واشنطن في غزة واليمن والسودان.
ومن خلال التركيز على إنجازات مزعومة جديدة، يعزز ترامب صورته أمام قاعدته الانتخابية كقائد قادر على إحداث اختراقات خارجية.
ختام
يبقى السؤال المحوري: هل يملك ترامب بالفعل ورقة جديدة في الشرق الأوسط، أم أن منشوره مجرد خطوة ذكية لإبقاء اسمه في صدارة العناوين العالمية؟ المنطقة التي شهدت على قراراته المثيرة سابقاً تترقب الآن بحذر، بين من يرى في رسالته إشارة إلى تحولات قادمة قد تصنع حدثاً تاريخياً، ومن يعتبرها مجرد أداة دعائية في معركة انتخابية داخلية. في كل الأحوال، فإن الغموض الذي اكتنف منشور “الإنجازات العظيمة” ساهم مرة أخرى في إعادة الشرق الأوسط إلى واجهة النقاش الأميركي والدولي، ليظل ساحة تختلط فيها أوراق المصالح الكبرى بالدعاية السياسية
.










