شهد المشهد المالي المصري تحولات دراماتيكية مؤخراً، بعد أن أقدمت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري على سلسلة من القرارات والإجراءات غير المسبوقة، من أبرزها خفض أسعار الفائدة عدة مرات متتالية للمرة الأولى منذ سنوات
. استندت هذه التحركات إلى تباطؤ معدلات التضخم وتحسن بعض المؤشرات الكلية للاقتصاد بعدما كانت مصر واحدة من أعلى الاقتصادات في المنطقة بمعدل الفائدة.خلفيات وتفاصيل قرارات الفائدةخلال اجتماع لجنة السياسة النقدية في نهاية أغسطس 2025، قرر المركزي المصري خفض أسعار الفائدة الأساسية بواقع 200 نقطة أساس (2%) ليصل سعر عائد الإيداع إلى 22% والإقراض إلى 23%، وهي حلقة في سلسلة تخفيضات بلغت 5.25% (525 نقطة أساس) منذ بداية 2025
. جاء ذلك بناءً على مراجعة مستمرة للتضخم، الذي تراجع على أساس سنوي في أغسطس إلى 12%، مع انخفاض التضخم الأساسي إلى 10.7% مقارنة بـ11.6% في يوليو
.أعلن المركزي أن الاستراتيجية الجديدة تأتي في إطار تيسير السياسة النقدية لدعم النمو، إذ أصبح معدل الفائدة الحقيقي (الفائدة مطروحاً منها التضخم) موجباً في ظل التراجع المستمر للتضخم
.أسباب القرارات وخلفياتها الاقتصاديةتشير التقارير الصادرة عن المركزي إلى أن التراجع النسبي في معدلات التضخم وهدوء أسعار الصرف وثبات أسعار الوقود الأساسية محلياً وفرت بيئة مناسبة لتخفيض الفائدة
. ساهمت المبادرات الحكومية كذلك في تقليص الضغط على الأسعار، حيث أرجأت الحكومة الزيادات في أسعار الكهرباء وشجعت على استقرار الأسواق.توقع خبراء الاقتصاد استمرار دورة التيسير النقدي خلال الاجتماعات المتبقية لعام 2025، إذا ما واصل التضخم تراجعه، مع ترجيحات بطرح مبادرات جديدة لتحريك النشاط الاستثماري والصناعي
.تداعيات القرارات على الاقتصاد المصريتُعد هذه القرارات تحوّلاً مفصلياً سيغير من حسابات الاستثمار في مصر. انخفاض كلفة الاقتراض يمنح الشركات فرصة الحصول على تمويل أقل تكلفة، ما يدعم التوسع الاستثماري ويعزز قدرة القطاع الخاص على مواجهة أعباء التشغيل
وفي المقابل، من المتوقع أن تؤدي الفائدة المنخفضة نسبياً إلى تراجع جاذبية أدوات الادخار وشهادات العائد المرتفع في ظل توجه جزء من السيولة نحو الاستثمار والإنتاج
.رغم ذلك، يراقب متابعو الأسواق عن كثب أي تحركات قد تطرأ على الجنيه المصري، إذ يؤدي خفض الفائدة كثيرًا أحياناً إلى الضغط على العملة الوطنية، خاصة في حال التقلبات العالمية أو هروب بعض الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل. ومع توجه التضخم للانخفاض والتزام البنك المركزي بتدابيره الاحترازية، تبدو المخاطر حالياً تحت السيطرة
.توجهات مستقبلية وتوصيات الخبراءيظل ملف الفائدة مفتوحًا لمزيد من التيسير أو التثبيت حسب مستجدات السوق المحلية والعالمية. كما يتوقع محللون استمرار انخفاض معدلات التضخم حتى نهاية العام مع تراجع الضغوط على أسعار السلع العالمية واستقرار أسعار الصرف
ويؤكد خبراء أن الحفاظ على توازن دقيق بين تحفيز النمو ومراقبة التضخم هو الرهان القادم لإدارة السياسة النقدية المصرية.ختاماً، أظهرت قرارات المركزي المصري الأخيرة جرأة غير معهودة في إدارة الملف النقدي، معتمدًا على بيانات دقيقة وحذر في التحرك، لتبقى الأنظار معلّقة على نتائج هذا التوجه وانعكاساته الاجتماعية والاقتصادية خلال الشهور المقبلة










