تشهد مياه البحر الأبيض المتوسط حراكاً إنسانياً ـ سياسياً غير مسبوق مع اقتراب “أسطول الحرية” الجديد ضمن قافلة “أسطول الصمود العالمي” من سواحل قطاع غزة، في محاولة هي الأكبر لكسر الحصار البحري المضروب على أكثر من مليوني إنسان في القطاع منذ 18 عاماً. مكونات المشهد باتت أكثر تعقيداً في ظل تحضيرات مشددة من البحرية الإسرائيلية لاعتراض الأسطول، ومطالبات أممية ودولية بحمايته وسط تصاعد التوتر الإقليمي
. وانضمت للجهد منظمات دولية حركية، مثل اتحاد أسطول الحرية، حركة غزة العالمية، ومنظمة “صمود نوسانتارا” الماليزية، في سابقة تجمع عشرات السفن دفعة واحدة في محاولة جماعية لكسر الحصار
.وبحسب تقارير بحرية عبرية وأجنبية، اقتربت القافلة، التي أبحرت من سواحل إسبانيا ومن موانئ تونس ودول حوض المتوسط، إلى مسافة 150 ميلاً تقريباً شمال غرب غزة، لتدخل بذلك نطاق الرصد البحري الإسرائيلي مع توقعات بمواجهة “ساخنة” على بعد 180 كيلومتراً من سواحل القطاع، وهو ما يعيد للأذهان سيناريو قوارب التضامن التي تعرضت للاعتداء والإيقاف في السنوات السابقة
.استعدادات إسرائيلية لعملية اعتراض عنيفةتؤكد مصادر إسرائيلية الرسمية أن القيادة العسكرية والسياسية لن تسمح لأي سفينة من الأسطول بكسر الحصار والدخول إلى غزة، مشيرةً إلى أن بحرية الاحتلال تستعد لإحباط المهمة عبر إرسال سفن حربية ضخمة، وتجهيز خطط لنقل النشطاء قسراً إلى ميناء أسدود، مع احتمال غرق أو تعطيل بعض القوارب في عرض البحر
. يرافق ذلك تحليق مكثف للطائرات المسيرة، وإعلان حالة استنفار على امتداد الساحل، مع تلويح باستخدام القوة لإجهاض أي محاولة اقتراب من الشواطئ المحاصرة
.وجاءت تهديدات الاحتلال في أعقاب هجمات سابقة تعرضت لها قوارب أسطول الحرية باستخدام الطائرات المسيرة في مايو وسبتمبر، ما أثار ردود فعل غاضبة من منظمات حقوق الإنسان والهيئات الأممية وتركيا التي أدانت أي استهداف للناشطين والمدنيين في المياه الدولية
.ردود فعل دولية ومتضامنة مع القافلةمن جهتها، أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً طالبت فيه المجتمع الدولي والجامعة العربية والأمم المتحدة بحماية الأسطول، داعيةً لإدانة أي اعتداء محتمل من البحرية الإسرائيلية، واعتبرت أن المهمة تدخل في نطاق التضامن الإنساني لكسر الحصار غير القانوني المفروض على أكثر من 2.4 مليون فلسطيني يعانون شح الغذاء والمياه وانهيار النظام الصحي بفعل الحصار الخانق منذ مارس الماضي
.كما حثت المنظمة الدول العربية على تحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية تجاه مواطنيها المشاركين في القافلة، وتوفير الدعم اللازم لهم في مواجهة التهديدات العسكرية الإسرائيلية، مستندةً إلى سوابق اعتراض واحتجاز سفينتي “مادلين” و”حنظلة” خلال يونيو ويوليو الماضيين
.أبعاد إنسانية وسياسية متجددةيحمل أسطول الحرية رسائل تتجاوز الدعم الإغاثي للمدنيين الفلسطينيين؛ فهو يخترق جدار الصمت العالمي ويعيد إثارة ملف الحصار المستمر والمواقف المخزية في عجز المجتمع الدولي عن فرض حماية للمدنيين في غزة
. ويؤكد منظمو القافلة أن الهدف ليس فقط إيصال المساعدات، بل إحياء وزارة الضمير العالمي ودفع السياسة الدولية لإعادة النظر في واجباتها الأخلاقية تجاه الكارثة الإنسانية بغزة
.وتعزز هذه التحركات موجة حراك موازية في عواصم العالم عبر مظاهرات ونشاطات متزامنة في 44 دولة، لتكريس الحملة كمبادرة سلمية شاملة تواجه تحديات الحصار والسياسات العقابية الجماعية المفروضة على الفلسطينيين منذ أكثر من عقدين
.سيناريوهات مفتوحة وحذر متزايدبينما يقترب الأسطول من خط المواجهة، تتزايد التكهنات حول احتمالات التصعيد، خاصة مع التحشيد الإسرائيلي البحري، وتمسك المنظمين بالسعي السلمي وعدم التراجع قبل بلوغ غزة أو اعتقالهم من قبل الاحتلال. وتبقى المخاوف من وقوع اشتباكات بحرية أو عمليات اقتحام عنيفة تهدد حياة المشاركين قائمة، في وقت تتابع فيه وسائل الإعلام العالمية وتضغط منظمات حقوقية لفضح أي خروقات للقانون الدولي
.تبقى الأنظار مشدودة إلى ساعات وسير مهمة أسطول الحرية، بينما تتقاطع فوق مياه المتوسط الإرادات الإنسانية والتهديدات العسكرية










