تشهد الساحة المغربية منذ أسابيع جدلاً متصاعدًا عقب تداول مقاطع ومنشورات منسوبة إلى ما يُعرف بـ”تسريبات جبروت”، تزعم شروع السلطات في صفقات لبيع أصول تابعة لمستشفيات ومدارس عمومية، عبر هياكل استثمار عقاري من نوع SPI-RFA.
وبينما يتحدث خطاب هذه التسريبات عن “خصخصة مقنّعة” تجري “تحت الطاولة”، تؤكد وثائق رسمية وهيئات تنظيمية أن هذه الآليات جزء من صناعة صناديق عقارية منظمة تخضع لرقابة الهيئة المغربية لسوق الرساميل (AMMC)، ما يجعل القضية متأرجحة بين روايتين: واحدة اتهامية وأخرى رسمية تطرح خيار “التمويل المبتكر” للبنيات التحتية العمومية.
خلفية “تسريبات جبروت”
ظهرت هذه التسريبات خلال عام 2025 عبر مقاطع مصورة على المنصات الاجتماعية، تضمن بعضها اتهامات غامضة بوجود صفقات بيع لممتلكات عامة من خارج المساطر الرسمية.
ورغم انتشارها الرقمي السريع، لم تُرفق هذه المزاعم بأدلة جنائية أو عقود رسمية موثقة، وهو ما يجعلها أقرب إلى روايات وشهادات تحتاج إلى تدقيق مستقل. محللون اعتبروا أن الأمر يستدعي حذرًا مهنيًا في التعامل الإعلامي، لغياب توثيق كامل للادعاءات.
ما هي SPI-RFA وOPCI؟
تنتمي SPI-RFA إلى منظومة هيئات التوظيف الجماعي العقاري (OPCI)، وهي هياكل قانونية معترف بها في المغرب، تستثمر في العقار الموجّه للتأجير.
تُميز AMMC بين صناديق مفتوحة للعموم وأخرى “ذات قواعد مخففة” (RFA) موجهة للمستثمرين المؤهلين. وقد منحت الهيئة تراخيص لمشاريع SPI-RFA منذ 2021، في إطار إطار تنظيمي يضمن المتابعة والشفافية.
بيع أصول صحية: بين التمويل والخصخصة
منذ 2019، وثّقت تقارير صحفية نماذج من عمليات “البيع وإعادة الاستئجار” (Lease-back) لمرافق صحية، حيث تُفوت عقارات لمستثمرين مؤسساتيين ثم تُستأجر بعقود طويلة الأمد.
المدافعون عن هذه الآلية يعتبرونها وسيلة لتعبئة موارد مالية فورية مع ضمان استمرارية الخدمات الصحية، فيما يرى منتقدون أنها “خصخصة تدريجية” تُحوّل مؤسسات الاستشفاء إلى مستأجرين لأصولهم السابقة.
المدارس بين التفويت والكراء
على غرار الصحة، طُرحت تساؤلات حول وضعية عقارات مخصصة للتعليم. تغطيات محلية وتقارير برلمانية أوردت حالات تفويت أو كراء مؤسسات مدرسية في الرباط وسلا وإنزكان، ما أثار انتقادات حول الشفافية، والأسعار التي وُصفت أحيانًا بـ”البخسة”، وتحويل وعاء تربوي إلى مشاريع تجارية.
هذه الحالات تظل بحاجة إلى بيانات رسمية مفصلة لتوضيح حجم الظاهرة وأثرها على العرض التعليمي العمومي.
سوق الصناديق العقارية
وثائق SPI-RFA المنشورة تبين أن نشاط هذه الصناديق يتركز على شراء أصول عقارية وتأجيرها طويلًا لمستغلين، مع ضوابط صارمة للسيولة والمخاطر.
شهدت صناعة OPCI نموًا سريعًا في المغرب خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك صناديق خاصة مثل Syhati Immo SPI التي راكمت أصولًا تفوق مليار درهم، لكنها تستهدف قطاع الصحة الخاص بالأساس. وهذا يعني أن انخراط أصول عمومية يحتاج إلى أدلة صريحة من العقود، وهو ما لم تؤكده بعد أي وثيقة رسمية متاحة للعموم.
موقف السلطات والتنظيم
تؤكد AMMC أن صناديق الـOPCI كيانات منظمة مرخصة، وتخضع لتقارير دورية وحوكمة شفافة. أي إدخال لأصول عمومية ضمنها لا يمكن أن يتم إلا عبر مساطر معلنة وتعاقدات قانونية واضحة.
وتُتاح قائمة مشاريع SPI-RFA المرخصة علنًا، لكن معرفة طبيعة الأصول بدقة تستدعي الرجوع إلى الملاحق الفنية لكل صندوق.
احتجاجات GENZ212 تزيد الضغط
تزامن هذا الجدل مع احتجاجات شبابية تحت وسم GENZ212 في الرباط ومدن أخرى أواخر سبتمبر 2025، طالبت بإصلاحات في قطاعي الصحة والتعليم.
وثّقت وكالة “فرانس برس” توقيفات وأحداث عنف محدودة خلال التظاهرات، بينما أشارت منصات إعلامية إلى منع بعض التجمعات، وسط ارتباك في تحديد قيادة الحراك اللامركزي الذي تحرك أساسًا عبر الشبكات الاجتماعية.
أصوات وتحذيرات
الخبير الحقوقي عزيز غالي حذّر من مخاطر ما وصفه بـ”الخصخصة المقنّعة” لمؤسسات صحية عمومية، معتبرًا أن البيع والتأجير الطويل يهددان الطابع العمومي. في المقابل، تؤكد الحكومة مرارًا أن هذه العمليات لا تغيّر وضعية استقبال المرضى ولا تمس مجانية الخدمة الأساسية.
في قطاع التعليم، استمرت أسئلة برلمانية وانتقادات نقابية حول تفويت عقارات مدرسية، وسط مطالب بنشر تقارير رسمية دقيقة.










