سلم فضل شاكر نفسه لاستخبارات الجيش اللبناني عند مدخل مخيم عين الحلوة في صيدا، في خطوة أنهت سنوات من التواري وأطلقت مسارا إجرائيا جد، لنهي فصل جديد في قصة 13 عاما للفنان اللبناني في ثوب التطرف تمتد من تحوله من نجم رومانسي إلى الاقتراب من خطاب أحمد الأسير وأحداث عبرا عام 2013، ثم أحكام قضائية غيابية وتواري داخل عين الحلوة وصولا إلى تسليمه نفسه لاستخبارات الجيش اللبناني في 2025.
خلال هذه السنوات تعاقبت روايات متضادة بين اتهامات بالدعم والتمويل وارتباط بأعمال إرهابية وحكم بالسجن 22 عاما على فضل شاكر من القضاء العسكري، مقابل تأكيدات منه ومن عائلته ببراءته من القتال وسعيه لإعادة المحاكمة بعد خطوة التسليم الأخيرة.
سار فضل شاكر
يطرح مسار فضل شاكر منذ 2012 سؤالا محوريا حول كيفية انتقال فنان ذائع الصيت إلى قلب سجال سياسي–أمني انتهى بأحداث عبرا 2013 وأحكام قضائية صارمة ثم تسليم طوعي في 2025، وسط انقسام حاد حول توصيف تجربته بين التطرف والدفاع عن النفس.
الوقائع القضائية الثابتة تتضمن حكما غيابيا بالسجن 22 عاما على فضل شاكر لتدخل في أعمال إرهابية وتمويل مجموعة مسلحة، فيما وثقت تغطيات متزامنة نفيه المستمر للمشاركة القتالية في عبرا وتأكيده لاحقا صدور منع محاكمة غيابي بحقه عن تهمة قتال الجيش عام 2018.
ومن نجم إلى مشهد الأسير
تقاطعت مسيرة فضل شاكر مع ظاهرة الشيخ أحمد الأسير التي برزت مع تصاعد الاستقطاب اللبناني المتصل بالحرب السورية، حيث تمدد خطاب الأسير المعادي لحزب الله إلى تعبئة ميدانية في صيدا وجوارها قبل الانفجار الكبير في عبرا.
تشير روايات استقصائية إلى أن شاكر تأثر بمناخ التحشيد والاصطفاف، وهو ما جعله حاضرا على تخوم المشهد قبل أن تتبدل صورته العامة جذريا لدى قطاع واسع من اللبنانيين.
عبرا 2013: المفصل الدموي
اندلعت مواجهات عنيفة في 23 يونيو/حزيران 2013 بين الجيش اللبناني ومجموعة موالية للأسير قرب صيدا، وانتهت بسيطرة الجيش وتواري قادة المجموعة ومناصرين بينهم فضل شاكر، وفق سرديات إعلامية ووثائق محاكمات لاحقة.
الخلاف بقي قائما حول تفاصيل الساعات الحاسمة وعدد الضحايا ومن بدأ الاشتباك، لكن الثابت أن عبرا شكلت نقطة الانعطاف الكبرى في القضية وفي مسار الدولة تجاه ملف الأسير ومحيطه.
وحط فضل شاكر في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين حيث توارى سنوات، مكتفيا بظهورات إعلامية متقطعة وتصريحات ينفي فيها القتال، قبل أن يعود لتسجيل وإصدار أعمال غنائية رقمية من داخل المخيم.
مسار قضائي مفتوح
هذا التواري الطويل رسخ صورة ملتبسة تجمع بين حضور فني متواصل وملف قضائي مفتوح وحساس، ما أبقى قضية فضل شاكر مادة سجالية دائما وفي سبتمبر/أيلول 2017، صدرت أحكام عسكرية بحق متهمين في ملف عبرا وشخصيات مرتبطة بالمشهد، قبل أن تتوالى الأحكام الغيابية بحق شاكر لاحقا.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، عاقب القضاء العسكري، فضل شاكر بالسجن 22 عاما مع الأشغال الشاقة بتهم التدخل في أعمال إرهابية وتمويل مجموعة مسلحة، وسط تغطيات دولية أكدت طبيعة الحكم وكونه غيابيا.
وفي 2018، أشارت تقارير وتصريحات لاحقة لفضل شاكر وابنه إلى صدور قرار بمنع محاكمته غيابيا عن تهمة القتال مع الجيش في عبرا، وهو ما أكد شاكر دقته الزمنية مع نفي صدور حكم جديد لاحقا عام 2025 بشأن هذه التهمة تحديدا.
ويبقى ذلك منفصلا عن أحكام وتمهيدات قانونية أخرى تتصل بملفات تدخل وتمويل، ما حافظ على ثقل الحزمة الاتهامية رغم انتفاء تهمة القتال وفق قرار 2018 المزعوم بنص التقارير.
رواية فضل شاكر وموقف العائلة
دافع فضل شاكر في مقابلات وتصريحات عن براءته من القتال، مقدما تفسيرات لانزياحه نحو خطاب الأسير في سياق تحشيد ومظلومية ادعى تعرضه لها، بينما تبنى نجله محمد لاحقا خطابا يؤكد حق والده في براءة كاملة وإعادة محاكمة غير مسيسة.
يقول فضل شاكر إن واقعة 2018 تخص القتال وإن القضايا الأخرى عالقة، وهي صياغة قانونية تحاول الفصل بين مسارات الاتهام والبراءة الجزئية المزعومة، بانتظار كلمة القضاء النهائي بعد التسليم.
ما الذي يعنيه الحكم الغيابي؟
يوضح خبر قانوني متداول أن الحكم الغيابي في لبنان يعاد فتحه تلقائيا عند القبض أو التسليم وينظر الملف من جديد، وهو ما يجعل خطوة فضل شاكر مفصلية لجهة طلب إعادة المحاكمة وتفنيد الأدلة.
هذا الإطار يمنحه فرصة دفاع طبيعية أمام المحكمة العسكرية قد تنتهي بتثبيت الأحكام أو تعديلها أو إسقاط بعضها وفق الأصول.
تسليم 2025:
كسر الجمودمساء 3-4 أكتوبر/تشرين الأول 2025، سلم فضل شاكر نفسه لاستخبارات الجيش اللبناني عند مدخل مخيم عين الحلوة في صيدا، في خطوة أنهت سنوات من التواري وأطلقت مسارا إجرائيا جديدا.
تقاطعت الروايات على أن نقطة التسليم كانت عند حاجز الحسبة على تخوم المخيم وسط ترتيبات أمنية، مع توقع إحالة لاحقة إلى الجهات القضائية المختصة
وتترجح تغطيات عربية أن توترات داخل المخيم وتهديدات متزايدة، إلى جانب رغبة في إنهاء الملف، أسهمت في تفضيل خيار التسليم تمهيدا لإعادة المحاكمة.
كما أن عودة فضل شاكر لإصدارات فنية خلال الأعوام الأخيرة أعادت اسمه إلى الضوء ما زاد حساسية بقائه متواريا في بيئة أمنية متقلبة.
بين التطرف والسردية الشخصية
عبارة “ثوب التطرف” التي لاحقت فضل شاكر لعقد وأكثر تعكس نظرة شريحة واسعة إلى ارتباطه بخطاب متشدد ومشهد مسلح، فيما روايته الذاتية تنفي الفعل القتالي وتقدم نفسها كاستجابة سياسية–عاطفية لمناخ عنيف عاشته صيدا والمنطقة
الحسم هنا قانوني لا لغوي، إذ إن مسلسل الأحكام والقرارات والملفات هو الذي يحدد موقعه من الفعل الجرمي بعيدا عن وصمات الخطاب العام
وتضررت صورة فضل شاكر الفنية منذ 2013 بشكل بالغ، لكن جمهورا غير صغير بقي متابعا لإصداراته الرقمية ما أبقى النقاش حول فصام “الفنان والمتهم” حاضرا.
هذا الانقسام الاجتماعي يفترض أن يجد تسوية قضائية واضحة تعيد رسم العلاقة بين الحقلين الفني والقانوني في تجربته.
ماذا بعد؟خطوة التسليم تفتح الباب لسيناريوهات متعددة: إعادة محاكمة شاملة، أو تثبيت أحكام بعينها، أو إسقاط بعض الاتهامات لعدم كفاية الأدلة بعد مثوله الحضوري.
المؤسسة القضائية والعسكرية ستقودان الإيقاع الزمني للإجراءات، فيما يترقب الرأي العام خاتمة ملف من الأعقد في المشهد اللبناني المعاصر
أقوال موثقةقال فضل شاكر مطلع 2025 إن “الحكم المتعلق بأحداث عبرا يعود إلى 2018 بمنع المحاكمة عني غيابيا لجهة الاقتتال مع الجيش”، مؤكدا بقاء قضايا أخرى قيد المتابعة أمام القضاء العسكري.
وتنقل مصادر قانونية أن “الحكم الغيابي يعاد النظر فيه لدى القبض أو التسليم، وكأنه لم يكن”، بما يجعل 2025 سنة مفصلية لمسار القضية.
دلالات سياسية–أمنية
قراءة الظاهرة من منظور سياسي تبرز أن لحظة الأسير كانت نتاج تشابك لبناني–إقليمي استثنائي انعكس على مدن الأطراف، وصيدا إحدى ساحاته، لتغدو عبرا مسرحا مريرا دفع ثمنه الجيش والمدنيون.
إغلاق الملف قضائيا قد يساعد في تبريد البيئة الهشة حول عين الحلوة ويحد من التوظيف السياسي لقضية شاكر في تجاذبات داخلية.
القصةثلاث عشرة سنة تارجحت بين اتهام وصل إلى أحكام مشددة ورواية دفاع تسعى إلى تفكيك المسؤولية عن القتال، قبل أن ينتهي الفصل الأخير بتسليم قد يفضي إلى حكم نهائي ينهي الاستقطاب حول “ثوب التطرف” لصالح حقيقة قضائية ثابتة .
الكرة الآن في ملعب القضاء اللبناني لحسم الوقائع بعيدا من الضجيج، فيما ترتبط عودة شاكر الفنية، إن حصلت، بما ستخلص إليه إعادة المحاكمة ومقتضيات العدالة










