الحرب انتهت، من أكثر المواقف المشرفة في المقتلة الغزّية كان موقف مصر.
فمصر تعرضت لفيضٍ من الإغراءات، إلى جانب التهديدات. والتهديد والإغراء توأمان أشبه بالموت والنوم، أو الشجاعة والجبن.
ورغم أنّ مصر كانت تمرّ بأزمة اقتصادية خانقة، فقد عُرضت عليها صفقات بمليارات الدولارات لتصفية المعركة في غزة، من بينها استقبال مليوني غزّاوي في مدن خيام مؤقتة ريثما تُبنى مدن جديدة. ومصر أصلًا مكتظة بالسكان، وكان من شأن ذلك أن يقابل بتصفير كامل لديونها مع حزم مساعدات على شكل هبات، كفيلة بنقل مصر من خانة الصفر إلى خانة المئة.
ومع ذلك، رفضت مصر كل تلك الإغراءات، كما رفضت التهديدات.
بل إنني أشك أن الضربات التي استهدفت السفن في البحر الأحمر جرت بمباركة أمريكية–إسرائيلية، بغية تقليل إيرادات قناة السويس. في تلك الفترة كان الجنيه المصري يتهاوى بشكل مريع، وإيرادات القناة انخفضت إلى النصف أو أكثر، ورغم كل هذا صمدت مصر ورفضت.
صاحَب ذلك حرب إعلامية شعواء تقودها ماكينة ضخمة بيد الإخوان، الذين كان ثأرهم الحقيقي ليس مع الحكومة المصرية فحسب، بل مع الشعب المصري نفسه. فالفكر الإخواني في جوهره فكر استعماري محلّي، يتعامل مع مصر وكأنها إقطاعية أو مستعمرة من حقه. ومن هنا جاء الهجوم على السفارات المصرية، والتحريض على اقتحام معبر رفح الذي كان مغلقًا من الجانب الإسرائيلي لا المصري.
ورغم شح الموارد، واصلت مصر إرسال المساعدات إلى غزة، وسط مخاطر جسيمة تعرّض لها سائقو الشاحنات، بل حتى الشاحنات نفسها، التي كان ينهبها أحيانًا الأهالي أو عناصر من حماس.
وهكذا كانت مصر العقدة في المنشار. فكرة التهجير سقطت كليًا، حتى أنّ مبادرة ترامب للسلام لم تتحدث عن تهجير سكان غزة. في المقابل، جاءت وعود بإعمار القطاع بدعم عربي – والخليج تحديدًا هو من سيتحمل الكلفة. كما أنّ مصر درّبت عناصر شرطة من أبناء القطاع أنفسهم، ليمسكوا الأرض بعد انسحاب حماس، الذي يُرجّح أن يتجه نحو تركيا.
لقد تصرّفت دول عربية أخرى بحكمة وصمت: مصر، السعودية، الأردن. ومع ذلك كانت الحرب الإعلامية ضدهم هائلة، للأسف. في حين جرى تمجيد بعض “الزعرنات” – لو صح التعبير – من قِبَل دول آخر من يستحق أن يُطلق عليه اسم دولة.
السلام لغزة.










