في خطوة مفاجئة تعكس عمق الأزمة السياسية في فرنسا، أعلن قصر الإليزيه اليوم أن رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو قدم استقالته إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي قبلها فورا، لتصبح فترة توليه المنصب هي الأقصر في تاريخ الجمهورية الخامسة منذ عام 1958.
لوكورنو، الذي لم يمض على تعيينه سوى أسابيع قليلة، عجز عن تشكيل حكومة قادرة على استعادة الثقة داخل البرلمان وخارجه، في وقت تمر فيه البلاد بحالة من الجمود السياسي والاحتقان الشعبي، لا سيما بعد سلسلة من التعيينات الوزارية المثيرة للجدل.
انتقادات مبكرة وسقوط سريع
واجه لوكورنو منذ لحظة إعلانه عن تشكيل الحكومة انتقادات حادة من المعارضة وبعض حلفائه، خاصة بعد إعادة تعيين عدد كبير من الوزراء السابقين، حيث احتفظ 12 وزيرا من أصل 18 بمناصبهم أو عادوا إليها بعد رحيل رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو.
أكثر ما أثار الغضب داخل معسكر اليمين المحافظ كان تعيين برونو لومير، وزير الاقتصاد السابق، في منصب وزير الدفاع، ما اعتبر خطوة “استفزازية” من قبل حزب الجمهوريين، في وقت يحتاج فيه ماكرون بشدة إلى دعمهم.
أزمة سياسية تتعمق
استقالة لوكورنو أطلقت موجة من ردود الفعل الحادة في الساحة السياسية الفرنسية، حيث دعا حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الرئيس ماكرون إلى حل الجمعية الوطنية أو الاستقالة، مؤكدا في بيان له عبر منصة “إكس”: “الماكرونية ماتت. على ماكرون أن يختار الآن: الحل أو الاستقالة، وبسرعة!”
وفي السياق ذاته، صرح فرانسوا كزافييه بيلامي، نائب رئيس حزب الجمهوريين، أن الحزب لا يتحمل مسؤولية هذا الفشل السياسي، مشددا على أن الجمهوريين مستعدون لأي انتخابات مقبلة: “لا يمكننا منح ماكرون فرصة أخيرة. لقد فقد ثقة الجميع.”
أما رئيس بلدية كان، ديفيد ليسنار، فذهب أبعد من ذلك، ودعا ماكرون مباشرة إلى الاستقالة: “مصلحة فرنسا تتطلب من الرئيس أن يحدد موعد استقالته للحفاظ على المؤسسات وإنهاء هذا الانسداد السياسي.”
انقسامات داخل الحكومة
الانتقادات لم تأت فقط من الخارج، بل حتى من داخل الحكومة السابقة نفسها. فقد عبرت وزيرة التحول البيئي المستقيلة، أغنيس بانييه-روناشر، عن يأسها من المشهد السياسي بقولها:
“أشعر باليأس من هذا السيرك، حيث يؤدي الجميع أدوارهم، لكن لا أحد يتحمل المسؤولية.”
ودعت بانييه-روناشر إلى مشاركة الأحزاب المعتدلة والمستقلة في تشكيل مستقبل الحكومة، معتبرة أن تجاهل القوى اليسارية أو الوسيطة “أمر لم يعد مقبولا”.
خيارات محدودة أمام ماكرون
مع استقالة لوكورنو، يجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه أمام خيارات صعبة ومحدودة: إما الدخول في مشاورات جديدة لتكليف شخصية أخرى بقيادة الحكومة، أو اللجوء إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة – وهي خطوة تنطوي على مخاطرة سياسية كبيرة.
وفي ظل تنامي الخطاب المتشدد من قبل اليمين المتطرف وتراجع شعبية الرئيس، تبدو كل السيناريوهات مفتوحة، فيما تتجه الأنظار إلى الإليزيه بانتظار قرار حاسم من ماكرون خلال الساعات أو الأيام القليلة المقبلة.










