رغم مرور عشرة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، فإن سوريا ما تزال تشهد مستويات غير مسبوقة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وسط تصاعد العنف والفوضى، وتفاقم الانقسامات الطائفية والمناطقية في معظم أنحاء البلاد.
ففي تقريره السنوي الصادر اليوم، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 10,955 شخصا بين 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 و8 تشرين الأول/أكتوبر 2025، بينهم 8422 مدنيا، من ضمنهم 463 طفلا و636 سيدة، إلى جانب 3054 حالة إعدام ميداني، في حصيلة وصفها التقرير بأنها “مرعبة”، وتدل على استمرار الإفلات من العقاب وغياب أي تقدم حقيقي في مسار العدالة.
خريطة دموية للضحايا والانتهاكات
توزعت الخسائر البشرية على أشهر السنة، حيث كان شهر آذار/مارس 2025 الأسوأ من حيث عدد الضحايا، إذ سجل فيه مقتل 2644 شخصا، بينهم 2069 مدنيا، بالإضافة إلى وقوع 1726 عملية إعدام ميداني في مناطق متفرقة، خصوصا في الساحل السوري.
واعتبر المرصد أن تلك الإعدامات “جرائم قتل على الهوية”، جرت ضمن حملات انتقامية وهجمات طائفية ممنهجة، حيث سجل استهداف واسع للسكان العلويين في الساحل، إضافة إلى موجات عنف اجتاحت مناطق صحنايا وريف دمشق الدرزي والسويداء، مسفرة عن عشرات القتلى والمهجرين.
الفاعلون: أطراف محلية وخارجية
اتهم التقرير أطرافا متعددة بالمسؤولية عن هذه الانتهاكات، شملت فصائل محلية، وقوات غير نظامية، وتنظيمات متطرفة، إلى جانب تدخلات عسكرية أجنبية تركية وإسرائيلية.
وسجلت أيضا عمليات قصف أودت بحياة مدنيين نتيجة:
القصف التركي: 129 ضحية (بينهم 29 طفلا).
القصف الإسرائيلي: 33 ضحية.
مخلفات الحرب: 628 ضحية.
تفجيرات ألغام وعبوات ناسفة: 66 ضحية.
رصاص الجندرما التركية: 7 قتلى، بينهم طفل.
إطلاق نار من حرس الحدود الأردني: 4 ضحايا.
كما وثق التقرير مقتل 60 معتقلا تحت التعذيب في سجون إدارة العمليات العسكرية، وآخرين في سجون تتبع لـ”قسد” وفصائل “الجيش الوطني”.
فوضى أمنية وانقسام طائفي متصاعد
سجل المرصد تصاعدا مقلقا في الانتهاكات الطائفية والدينية، تضمن اعتداءات على دور العبادة، منها الهجوم على كنيسة مار إلياس في دمشق، وتدمير مزارات وأماكن مقدسة مختلفة، ضمن حملات وصفت بأنها “منظمة وتستهدف النسيج الديني السوري”.
ورافق ذلك حملات تشويه وتحريض طائفي عبر وسائل إعلام وصفحات إلكترونية موالية لأطراف في السلطة، استهدفت طوائف بعينها وربطتها بخلفيات سياسية، ما زاد من تفاقم الانقسام وعرقل جهود المصالحة الوطنية.
آلاف المعتقلين دون محاكمة
سلط التقرير الضوء على الاعتقال التعسفي الواسع النطاق بعد سقوط النظام، حيث لا يزال آلاف المعتقلين قابعين في السجون دون محاكمات أو توجيه تهم واضحة، بينهم نشطاء وضباط سابقون وأطباء ومدنيون، ما يمثل – بحسب المرصد – “انتهاكا صارخا للقانون الدولي”.
دعوات إلى المحاسبة والتدخل الدولي
دعا المرصد السوري لحقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى:
إرسال لجان أممية لتفتيش السجون والكشف عن مصير المفقودين.
دعم آليات العدالة الانتقالية، ومحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات دون استثناء.
وضع حد للتحريض الطائفي وملاحقة المسؤولين عن الجرائم ضد المدنيين.
توفير حماية عاجلة للمدنيين في جميع أنحاء البلاد.
كما حذر المرصد من استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج خطاب الكراهية والطائفية، داعيا إلى دعم منصات التوثيق الحقوقي المستقلة ووقف حملات التشويه التي تطال المدافعين عن حقوق الإنسان.
يؤكد هذا التقرير أن سقوط النظام السابق لم يكن نهاية للعنف، بل بداية لفصل جديد من الفوضى والدماء، ما يتطلب تحركا عاجلا من المجتمع الدولي للضغط باتجاه المساءلة، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، ووضع حد لمعاناة السوريين المستمرة.










