اختطاف الطفل محمد قيس حيدر يشعل غضبًا شعبيًا واسعًا في اللاذقية وسط اتهامات بانفلات أمني متصاعد
في حادثة صادمة هزّت الرأي العام السوري، خُطف الطفل محمد قيس حيدر، الطالب في الصف الثامن من مدرسة “جمال داوود”، صباح الأربعاء الماضي، في وضح النهار وأمام أعين زملائه وأهالي الحي، مما فجّر موجة غضب واحتجاجات مستمرة في مدينة اللاذقية ومدن أخرى في الساحل السوري ضد سلطة أحمد الشرع.
تفاصيل الحادث
وقعت الجريمة حوالي الساعة 7:45 صباحًا في حي المشروع العاشر بمدينة اللاذقية (وتشير بعض الروايات إلى المشروع السابع). وفقًا لشهود عيان، اقترب أربعة رجال ملثّمين من الطفل أثناء توجهه إلى المدرسة، وأجبروه تحت التهديد على ركوب سيارة “سانتافيه” فضية اللون، رغم صراخه ومحاولاته المقاومة.
حاول أحد المارة التدخل، إلا أن الخاطفين أطلقوا التهديد بالسلاح، قبل أن يفرّوا عبر طريق “الفرن-دمسرخو”، في عملية دقيقة وسريعة أثارت تساؤلات واسعة حول الجهات التي تقف خلفها.
الضحية، محمد قيس حيدر، ينتمي إلى عائلة معروفة في المدينة؛ والده الدكتور قيس حيدر أستاذ جامعي عاد مؤخراً من الخارج، ووالدته منى حيدر معلمة. العائلة مشهود لها بالسمعة الطيبة في أوساط المدينة.
الغموض يلفّ الدوافع
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم تعلن الجهات الرسمية عن دوافع مؤكدة. لكن مصادر مقربة من العائلة أشارت إلى أن الخاطفين طالبوا بفدية تبلغ نحو 150 ألف دولار، مما يعزز فرضية الاختطاف بقصد الابتزاز المالي.
الحدث أعاد إلى الواجهة تصاعد الحديث عن الانفلات الأمني في الساحل السوري، لا سيما بعد وقائع مشابهة مثل مقتل المعلمة ليال دمّر غريب في حمص، ومقتل طالب جامعي في ريف اللاذقية.
ردّ السلطات: تحقيقات مستمرة… دون نتائج ملموسة
وزارة الداخلية السورية أكدت عبر حسابها الرسمي على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) أن التحقيقات جارية، مع متابعة مباشرة من قيادة الأمن الداخلي في اللاذقية، بهدف تحرير الطفل وتوقيف الجناة.
محافظ اللاذقية محمد أحمد عثمان قال في تغريدة: “نتابع القضية عن كثب… متضرعين إلى الله أن يعود محمد سالمًا”. وأضاف أن الجريمة “رد فعل يائس على النجاحات الأمنية الأخيرة”، وهو تصريح أثار ردود فعل متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين مشكّكين ورافضين لما وصفوه بـ”الإنكار الرسمي للواقع المتدهور”.
ورغم مرور ثلاثة أيام على الحادثة، لم تصدر أي تفاصيل جديدة عن مكان وجود الطفل أو هوية الخاطفين، مما زاد التوتر والقلق في الشارع.
غضب شعبي في اللاذقية: احتجاجات ومظاهرات متواصلة
شهدت مدينة اللاذقية لليوم الثالث على التوالي مظاهرات غاضبة، تركزت في حي المشروع العاشر، حيث خرج مئات الأهالي والمعلمين والطلاب في تظاهرة حاشدة جابت محيط المدرسة التي اختُطف منها الطفل.
شعارات المظاهرة كانت صريحة ومباشرة:”لا للخطف، لا للقتل، لا للانتهاكات!”، و”بدنا محمد قيس حيدر!”، و”اليوم محمد، بكرا ابنك!”، و”ياللي ساكت ببيتك، اليوم محمد، بكرا ابنك!”
كما أعلنت عدة مدارس في المدينة إضرابًا عن التعليم، تضامنًا مع محمد ورفضًا لما وصفه المحتجون بـ”تحول المدارس إلى بيئة مهددة للحياة بدلًا من كونها مساحة آمنة للتعليم”.
الإضرابات امتدت لتشمل حمص وطرطوس، وسط هتافات منددة بـ”تقصير الدولة” ومطالبات بـ”إجراءات أمنية حقيقية” وليس فقط “تصريحات شكلية”، وفق ما عبّر عنه أحد المشاركين.
تضامن رقمي ومجتمعي واسع
على وسائل التواصل، انتشرت حملات تضامنية واسعة باستخدام وسوم مثل: #محمدقيسحيدر، و#الحريةلمحمد، و#لاللخطفلاللانتهاكات
وتم تداول فيديوهات لمظاهرات اللاذقية، وصور للطفل المختطف. لافتٌ أيضًا انضمام شخصيات من مختلف الطوائف والمناطق للتضامن، بما في ذلك سيدة سنية تحدثت عن “أخلاق محمد ووالده”، في خطوة اعتبرها البعض تعبيرًا عن وحدة مجتمعية ضد التهديد المشترك.
السياق الأوسع: “الأمن في الساحل ليس كما يُروّج له”
رغم الخطاب الرسمي عن “ضبط الأوضاع الأمنية”، يرى كثير من السكان والمراقبين أن الساحل السوري، وخاصة اللاذقية وطرطوس، باتا عرضة لتزايد حوادث الجريمة المنظمة، بما فيها الخطف والابتزاز المسلح، وسط تراجع سيطرة الدولة الفعلية أمام شبكات المصالح والميليشيات المحلية.
كما أن استهداف الطفل محمد، في وضح النهار وأمام مدرسة حكومية، فتح الباب أمام تساؤلات محرجة للسلطات كيف تم تنفيذ العملية بهذه السهولة، وأين الكاميرات الأمنية المنتشرة؟ ولماذا لم يصدر أي تقدم حقيقي بعد ثلاثة أيام؟
في الوقت الذي يُنتظر فيه أي خبر عن مصير الطفل محمد قيس حيدر، تتصاعد وتيرة الغضب الشعبي في اللاذقية، وسط دعوات لمحاسبة المقصرين، وتوفير الحماية للأطفال، ومواجهة تفكك الأجهزة الأمنية على أرض الواقع، لا فقط في التصريحات الإعلامية.










