عادت جماعة “سرايا أنصار السنة” — المصنفة كتنظيم إرهابي متطرف — إلى الواجهة من جديد بعد بث تسجيل مصور على منصات التواصل الاجتماعي، ظهر فيه متحدث باسم الجماعة معلنا عن تأسيس ما سماه “إمارة حمص الإسلامية”، مهددا بتنفيذ هجمات انتحارية وتفجيرات تستهدف مؤسسات مدنية ودينية في محافظات حمص، حماة، اللاذقية وطرطوس.
وقال المتحدث، الذي كان يرتدي زيا عسكريا ويحمل شعار التنظيم، إن العمليات “ستنطلق من إمارة حمص”، على حد وصفه، بهدف “نشر الإسلام ورفع راية التوحيد فوق المدن الساحلية والوسطى”، مهددا باستهداف كنائس المسيحيين ومدارس ومساجد ومزارات العلويين.
ماهو تنظيم “سرايا أنصار السنة”؟
تعد “سرايا أنصار السنة” أحد أحدث التنظيمات الجهادية التي برزت على الساحة السورية خلال عام 2025. ووفقا لتقارير صحفية وتحقيقات مستقلة، فقد ظهرت أولى بياناتها في فبراير الماضي عبر قنوات على تطبيق “تليغرام”، وتبنت خلالها عمليات اغتيال طائفية في ريف حمص وحماة.
يعتمد تنظيم “سرايا أنصار السنة” على هيكلية لا مركزية، حيث ينشط بأسلوب “الذئاب المنفردة”، دون قيادة موحدة أو قواعد ثابتة، مع التركيز على الدعاية والتحريض عبر الإنترنت بهدف التجنيد والتعبئة.
خطاب طائفي وتحريض على العنف
يظهر البيان المصور أن تنظيم “سرايا أنصار السنة” لا يزال يتبنى خطابا طائفيا صارخا، متهما الطوائف الأخرى بـ”الخيانة” و”التحالف مع النظام”، ومتوعدا بـ”الانتقام” من خلال تنفيذ عمليات إرهابية.
ويؤكد مراقبون أن هذا النوع من الخطابات يهدف بالدرجة الأولى إلى زرع الرعب بين المدنيين وخلق بيئة من الانقسام الطائفي، تمهيدا لخلق حاضنة أو موطئ قدم في المناطق الهشة أمنيا.
ردود السلطات السورية
وفي وقت سابق أكدت وزارة الداخلية السورية أن الجهات المختصة تحقق في صحة التسجيل المتداول، مشيرة إلى أن “سرايا أنصار السنة” قد تكون واجهة إعلامية لتنظيمات إرهابية أقدم، وخصوصا تنظيم “داعش”.
وقال مصدر أمني رفيع إن التحقيقات الأولية ترجح وجود ارتباط بين العناصر التي ظهرت في التسجيل وخلايا نائمة تنشط في بادية حمص، مضيفا أن الأجهزة الأمنية تعمل على تتبع مصدر الفيديو وقنوات بثه.
وأشار المصدر إلى تفعيل قوة أمنية مشتركة لتكثيف الدوريات ورفع الجاهزية الأمنية في محيط المدارس والكنائس والمزارات الدينية، خاصة في المحافظات الساحلية.
التحليل: بين الواقع والدعاية
يرى خبراء في شؤون الجماعات المسلحة أن توقيت بث البيان يأتي في سياق حرب نفسية وإعلامية، خاصة في ظل تراجع قدرة التنظيمات المتطرفة على تنفيذ عمليات واسعة النطاق.
ويقول الباحث في شؤون الإرهاب الدكتور علي الحلبي إن “أنصار السنة لا يبدو أن لها حضور ميداني حقيقي، بل تعتمد على خطاب إلكتروني طائفي يسعى لإعادة إشعال الفتنة الطائفية في المناطق المتوترة”.
ويضيف: “الفراغ الأمني وضعف المعالجة الفكرية في بعض المناطق يسمحان بتمدد هذا النوع من الفكر، حتى دون بنية تنظيمية تقليدية”.
السياق الإقليمي
تأتي هذه التهديدات في ظل تصاعد التوتر الطائفي في بعض مناطق الساحل والوسط السوري، واستمرار النزوح الداخلي، ووجود ثغرات في التنسيق الأمني، ما يخلق بيئة مناسبة لإعادة تموضع الجماعات المتطرفة.
وتشير تقارير محلية إلى أن هذه التهديدات تخدم أجندة خارجية تهدف إلى زعزعة الاستقرار، خصوصا عبر الإنترنت ومنصات التواصل، حيث تسعى هذه الجماعات إلى استقطاب دعم خارجي أو تمويل من شبكات متعاطفة.
خطوات رسمية وتوصيات
طالبت وزارة الداخلية المواطنين بعدم تداول المقطع المتداول لما له من أثر تحريضي، وحثت على الإبلاغ عن أي نشاط إلكتروني مشبوه.
كما دعا خبراء أمنيون إلى ضرورة مراقبة تطبيقات المراسلة المشفرة وتفعيل برامج مكافحة التطرف الرقمي، مع تكثيف الرقابة حول المؤسسات التعليمية والدينية في المناطق المهددة.
وأكد الخبير في الأمن السيبراني سامي عواد أن الجماعة تعتمد بشكل رئيسي على غرف مغلقة للتجنيد، مشددا على ضرورة التعاون الدولي لتتبع هذه الشبكات الرقمية.
عودة جماعة “سرايا أنصار السنة” إلى واجهة الأحداث عبر تهديدات طائفية وإعلانية يعكس محاولة جديدة لإحياء خطاب العنف والفوضى، في وقت تشهد فيه البلاد استقرارا نسبيا في بعض المناطق.
ورغم أن التهديدات لا تثبت بالضرورة وجود قدرة تنفيذية قوية، إلا أن استمرار هذا النوع من التحريض يستوجب ردا أمنيا وإعلاميا وفكريا شاملا، لحماية المجتمع من الانزلاق مجددا في دوامة الطائفية والتطرف.










