تفيد معطيات أولية من مصادر موثوقة أن السلطات الأمنية السودانية نفذت الأربعاء حملة اعتقالات جديدة طالت شخصيات محسوبة على التيار الإسلامي، بينهم قيادات بارزة مرتبطة بكتيبة “البراء بن مالك”، وسط غياب بيان رسمي فوري وتأكيدات متقاطعة على تصاعد التدقيق الأمني تجاه التشكيلات الإسلامية المسلحة خلال الأسابيع الماضية.
ويأتي ذلك في سياق إقليمي ودولي ضاغط على هذه التشكيلات، بعد إدراج الولايات المتحدة كتيبة “البراء بن مالك” على قوائم العقوبات في سبتمبر الماضي، إلى جانب وزير المالية جبريل إبراهيم، بدعوى الارتباط بأنشطة مزعزعة وتقاطعات مع إيران وفق بيان وزارة الخزانة الأمريكية.
ما الذي نعرفه؟
أشارت مصادر على صلة بملف الأمن الداخلي إلى أن الاعتقالات شملت شخصيات إسلامية ووجوهاً من شبكات الدعم المدني المتحالفة مع الكتيبة، مع ترجيح أن تكون الإجراءات قد طالت مواقع في شرق البلاد حيث تتمركز مؤسسات الدولة خلال الحرب، من دون تفاصيل رسمية منشورة حتى لحظة إعداد المادة.
وتقاطعت هذه المعلومات مع إشارات في وسائط التواصل إلى حملة استهداف لقيادات في “البراء بن مالك” بمدن ساحلية، لكن دون وثائق حكومية تؤكد الاتهامات أو تبين التهم، ما يُبقي الوقائع رهن التحقق الحقوقي والإعلامي.
ويعكس هذا التطور اتجاهاً عاماً لرصد توسع الاعتقالات التعسفية ضد ناشطين وصحافيين ومتطوعين خلال 2025 بحسب رصد “دبنقا”، ما يثير مخاوف من انكماش المجال المدني في ظل حرب ممتدة.
من هي كتيبة “البراء بن مالك”؟
تُعرّف الكتيبة في تقارير صحافية وبحثية بوصفها تشكيلًا ذا مرجعية إسلامية تحارب إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع منذ اندلاع القتال في أبريل 2023، مع حضور ميداني وإعلامي بارز في السيطرة على مواقع استراتيجية بالعاصمة خلال مراحل من الصراع وفق رصد منصات تحقيقية.
وقدّرت تقارير استقصائية تعداد عناصرها بعشرات الآلاف وتسليحها بمستويات متقدمة نسبياً، مع اعتماد الجيش عليها في أدوار الاقتحام وسد فجوات المشاة خلال أعنف مراحل القتال، بحسب باحثين عسكريين.
وتعرضت الكتيبة لانتقادات داخلية وخارجية لسلوك بعض العناصر على الأرض واتهامات بارتكابات، وهي ملفات تُستخدم لتبرير مطالب محلية ودولية بإعادة ضبط وجود التشكيلات المساندة للجيش أو تفكيكها.
عقوبات وضغوط دولية
فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي (OFAC) في 11 سبتمبر 2025 عقوبات على كتيبة “البراء بن مالك” وعلى جبريل إبراهيم، مشيراً إلى صلات مزعومة بالنشاط الإيراني وإسهامهما في زعزعة الاستقرار، في رسالة تستهدف تحجيم النفوذ الإسلامي المسلح داخل مشهد الحرب السودانية.
وغطّت وسائل إقليمية هذه الخطوة باعتبارها مؤشراً على تقارب دولي متزايد إزاء ملف الإسلاميين المسلحين في السودان، وربطتها بمساعي حصار التمويل والقدرات اللوجستية والسياسية لهذه التشكيلات.
وترافق ذلك مع تقارير تحليلية عن قلق لدى عواصم مجاورة من تمدد نفوذ تشكيلات إسلامية عبر الحدود، ما انعكس في توقيفات وتحقيقات عابرة للحدود مع شخصيات مرتبطة بالكتيبة خلال الصيف الماضي، قبل الإفراج عن بعضها لاحقاً.
أنماط الاعتقال محلياً
تُظهر تغطيات حقوقية وإعلامية نمطاً تصاعدياً من الاعتقالات شمل ناشطين وصحافيين ومتطوعين في مناطق متعددة عام 2025، مع شكاوى من غياب الإجراءات القانونية السليمة وصعوبة الوصول إلى محامين، ما يخلق بيئة مواتية لاتساع الاعتقال الوقائي ضد دوائر يُنظر إليها أمنياً باعتبارها حساسة.
وعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من التوثيق المتاح يتعلق بالمجال المدني، فإن أي حملة تطال الإسلاميين أو تشكيلات مسلحة حليفة للجيش تتقاطع مع تصور رسمي يعتبر هذه الدوائر طرفاً مؤثراً في ميزان القوى الداخلي وملف التفاوض السياسي.
ويشير مراقبون إلى أن استهداف قيادات أو واجهات مدنية مساندة للكتيبة قد يهدف إلى تقليص الظهور الإعلامي والتنظيمي لهذه التشكيلات وإعادة هندسة شبكة الولاءات على الأرض.
تصريحات ومواقف
في بيان وزارة الخزانة الأمريكية، قال وكيل الوزارة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية جون ك. هيرلي إن “الجماعات الإسلامية السودانية عقدت تحالفات خطيرة مع النظام الإيراني، ولن نقف متفرجين ونسمح لهم بتهديد الأمن الإقليمي والعالمي”، مؤكداً استخدام أدوات العقوبات لتعطيل هذا النشاط.
وتذهب قراءات بحثية إلى أن قوى مدنية سودانية تحمل الإسلاميين مسؤولية كبيرة عن إدامة الصراع وتعرقل مسارات الانتقال، وتدعو إلى عزلهم وتجريمهم سياسياً ضمن أي تسوية مقبلة، في اتجاه يزيد الضغط على حضورهم في مشهد ما بعد الحرب.
كما تعكس تقارير تحليلية عربية تصاعد القلق الإقليمي من إعادة تمكين الإسلاميين عبر بوابة التحالف مع المؤسسة العسكرية، وهو ما يفسر حساسية بعض العواصم تجاه قادة هذه التشكيلات وتحركاتهم.
مستقبل الإخوان في السودان
في حال تأكدت الاعتقالات الجديدة ضد قيادات إسلامية ووجوه من “البراء بن مالك”، فستكون منسجمة مع خط تصاعدي لتقييد حضور التشكيلات غير النظامية في مسرح الحرب، بما يفتح الباب أمام إعادة تنظيم المشهد الأمني ودمج عناصر وفق أطر رسمية أو دفعها خارج الميدان.
كما قد تقود إلى تجفيف الظهير المدني والإعلامي لهذه الكيانات وتقليص قدرتها على الحشد والتجنيد في المدن الساحلية حيث تتركز المؤسسات، ما ينعكس على توازن النفوذ بين الجيش وحلفائه من جهة والقوى المدنية من جهة أخرى.
غير أن مثل هذه الخطوات تحمل مخاطر ردود فعل مضادة إذا لم تُرفق بمسارات شفافة للمساءلة القانونية ومصارف سياسية بديلة لاستيعاب المقاتلين والداعمين المدنيين، وفق خبرات نزاعات مماثلة .










