في خطوة تعكس تصعيدًا أمريكيًا جديدًا في الحرب الاقتصادية ضد موسكو، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تعهّد له رسميًا بوقف شراء النفط من روسيا، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستكون “نقطة تحول” في عزل الكرملين عن موارده الحيوية من الطاقة.
وقال ترامب، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، إن مودي “طمأنه بأن الهند لن تشتري النفط من روسيا بعد الآن”، مضيفًا: “هذه خطوة كبيرة، وسنسعى الآن لإقناع الصين باتخاذ الموقف ذاته”.
ضغوط اقتصادية بغطاء دبلوماسي
القرار يأتي بعد سلسلة من الإجراءات العقابية الأمريكية ضد نيودلهي، حيث فرض ترامب في الصيف الماضي رسومًا جمركية بنسبة 25% على الصادرات الهندية، ثم ضاعفها بسبب استمرار الهند في استيراد الخام الروسي.
ورغم أن الهند تُعدّ حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في مواجهة الصين، فإن إدارة ترامب اختارت لغة الضغط الاقتصادي لإجبارها على تغيير بوصلتها النفطية.
واشنطن تستهدف عزل موسكو… لكن على حساب الحلفاء
منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية عام 2022، كانت الهند والصين أكبر مشترين للنفط الروسي المنقول بحرًا، مستفيدتين من الأسعار المخفّضة بعد انسحاب أوروبا من السوق الروسية.
ومع أن نيودلهي برّرت مشترياتها باعتبارات “أمن الطاقة الوطني”، فإن واشنطن رأت فيها ثغرة استراتيجية تقوّض نظام العقوبات الغربي.
ويرى مراقبون أن تصعيد ترامب ضد الهند يحمل رسائل مزدوجة: الأولى إلى موسكو بأن زمن التساهل انتهى، والثانية إلى الحلفاء الأوروبيين مفادها أن واشنطن ستفرض الإذعان حتى على أقرب شركائها.
خطة “العزلة الاقتصادية” بدل العقوبات الجماعية
تؤكد تصريحات ترامب الأخيرة أنه يسعى لاستخدام العلاقات الثنائية كسلاح لعزل روسيا، بدلاً من الاعتماد فقط على العقوبات متعددة الأطراف التي لم تحقق نتائج حاسمة حتى الآن.
وقال مصدر دبلوماسي أوروبي لصحيفة الشرق الأوسط: “إدارة ترامب الجديدة تُحاول إعادة صياغة التحالفات وفق منطق تجاري صارم… من يدفع الثمن يشارك، ومن يخالف يُعاقَب.”
موقف متذبذب تجاه الصين
ورغم حديث ترامب عن سعيه لإقناع بكين بوقف شراء النفط الروسي، فإن المراقبين يشكّكون في قدرته على ذلك، خاصة في ظل استمرار الحرب التجارية الأمريكية – الصينية.
فالرئيس الأمريكي لا يريد فتح جبهة جديدة مع الصين في وقت يسعى فيه إلى إنعاش الصادرات الأمريكية واستعادة توازن العجز التجاري.
النفط الروسي… الورقة الأخيرة في يد موسكو
يُذكر أن روسيا صدّرت في سبتمبر الماضي نحو 1.62 مليون برميل يوميًا إلى الهند، أي ما يعادل ثلث وارداتها النفطية. وقف هذه المبيعات – إن تحقق – سيُشكّل ضربة قاسية لمداخيل موسكو، وقد يدفعها إلى تقديم تنازلات تفاوضية في الملف الأوكراني.
تأثير القرار على سوق النفط العالمي
الخطوة الهندية – إن تم تنفيذها فعليًا – قد تُحدث زلزالًا في خريطة الطاقة العالمية. فالهند، باعتبارها ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، تمثل أحد أهم منافذ موسكو لتصريف نفطها بعد العزلة الأوروبية. وقف هذه الإمدادات يعني أن روسيا ستُجبر على خفض إنتاجها أو البحث عن أسواق جديدة في آسيا وإفريقيا بأسعار أدنى، وهو ما قد يفاقم خسائرها المالية ويزيد الضغط على عملتها.
لكن الصورة ليست وردية بالنسبة لواشنطن أيضًا؛ إذ إن إخراج ملايين البراميل الروسية من السوق سيؤدي إلى اضطراب التوازن العالمي بين العرض والطلب، ما قد يدفع الأسعار إلى الارتفاع مجددًا رغم تراجعها مؤخرًا.
وهو ما يعني عمليًا أن المستهلك الأمريكي نفسه قد يدفع ثمن “الحرب الاقتصادية” ضد موسكو في شكل أسعار وقود أعلى وتضخم متجدد، وهو ما قد يتحول إلى صداع سياسي لترامب في عامه الانتخابي الأول.
وفي المقابل، قد تستفيد دول الخليج العربية من هذا التحول عبر زيادة حصصها في السوق الهندية، وهو ما يمنحها نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا أكبر داخل معادلة الطاقة الآسيوية، بينما تجد روسيا نفسها محاصَرة في زاوية ضيقة من سوق عالمية تُعاد صياغتها بقرارات أمريكية قسرية.










