لجنة جديدة… وسؤال قديم
حين أصدر الرئيس سلفا كير ميارديت مرسومًا جمهوريًا بتشكيل لجنة رفيعة المستوى جديدة للحوار والمتابعة بشأن الوضع النهائي لمنطقة أبيي، تساءل كثير من مواطني جنوب السودان: هل نحتاج حقًا إلى لجنة أخرى لأبيي؟
لأكثر من عقدٍ من الزمان، ظلّ شعب أبيي ينتظر — بصبرٍ وألمٍ وأمل — أن يُحسم وضعه النهائي. لكن في كل مرة، يُقابل هذا الانتظار ليس بقرارات حاسمة، بل بلجان جديدة، ووجوه جديدة، ووعودٍ جديدة. وفي الأثناء، تبقى حياتهم رهينة الغموض والنزوح.
“شعب أبيي لا يحتاج إلى اجتماعٍ آخر — بل إلى قرار.”
أبيي: أكثر من قضية حدود
لقد تحوّل التعامل مع قضية أبيي إلى مصدر خيبة أملٍ وطنية. فهي ليست مجرد نزاع حدودي، بل قضية ذات بُعدٍ دولي، تُجسّد كرامة وسيادة وضمير جنوب السودان.
إنّ شعب أبيي جنوب سودانيون بالدم والتاريخ والتضحية، ومع ذلك ما زال مصيرهم معلّقًا، فيما تواصل الحكومة تأجيل الحسم. تبدو كل لجنة جديدة أشبه بعذرٍ لتأجيل الحقيقة، وهي أن أبيي، روحًا وحقًا، تنتمي إلى جنوب السودان.
“أبيي ليست مجرد أرض، بل هوية وانتماء وعدالة.”
قيادة فرّقت أبناءها
من المؤلم أن يؤدي النهج المتقلّب للرئيس إلى انقسام أبناء أبيي وتشتيت وحدتهم. فبعد أن كانوا موحّدين بالأمل، باتوا اليوم منقسمين بين رؤى متعارضة لمستقبلهم.
فمنهم من يؤيد مقترح الدكتور فرانسيس دينق، الداعي لمنح أبيي حكماً ذاتياً، ومنهم من ينتظر الاعتراف الرسمي بنتائج الاستفتاء، وآخرون يتمسكون بنتائج استفتاء 2013 الذي عبّر بوضوح عن إرادة الشعب ولم يُنفَّذ حتى اليوم. والأسوأ، أن بعضهم — وقد أنهكهم الانتظار — بدأوا يميلون نحو السودان، بعدما شعروا بأن حكومتهم تخلّت عنهم.
هذه ليست الدولة التي حلم بها الجنوبيون. إن حالة الارتباك المحيطة بأبيي ليست صدفة، بل نتيجة قيادة ضعيفة، وتردد سياسي، وغيابٍ للرؤية الوطنية.
“يا سيادة الرئيس، لم تُربك فقط شعب أبيي — بل خيّبت أمل أمةٍ بأكملها كانت تؤمن بالوحدة والسلام.”
مساران… وحيرة واحدة
وهنا يبرز سؤال خطير:
إذا كنا قد أجرينا بالفعل استفتاء أبيي عام 2013، فلماذا ما زلنا نشكّل لجانًا للوضع النهائي؟
هذا التناقض لا يربك فقط سكان أبيي، بل الأمة بأسرها. فهل نعيش اليوم بين مسارين متوازيين — أحدهما يعترف بالاستفتاء والآخر يواصل تشكيل اللجان لمناقشة ما تمّ حسمه؟
إذا كان الأمر كذلك، فماذا يعني ذلك؟ هل يعني أن الرئيس لا يعترف بالاستفتاء ويختار بدلاً من ذلك الاستمرار في “حوارات الوضع النهائي” بلا نهاية؟
هذا هو السؤال الذي يجب أن يُجاب عليه بصدق، لأن استمرار هذا التناقض يعني أن أبيي ستظل عالقة بين واقعين متناقضين، وأن شعبها سيواصل المعاناة وسط الارتباك والانقسام.
كفى لجانًا… حان وقت الفعل
إذا كان لا بد من وجود لجنة، فيجب أن تضم أشخاصًا يؤمنون حقًا بانتماء أبيي إلى جنوب السودان — أولئك الذين عاشوا نضالها لا من تحركهم المصالح أو الحسابات السياسية.
لكن الحقيقة أوضح من ذلك: نحن لا نحتاج لجنة أخرى.
ما نحتاجه هو شجاعة سياسية.
ما نحتاجه هو تنفيذ استفتاء 2013، والاعتراف بإرادة الشعب، واستعادة الثقة.
روح الأمة
يا سيادة الرئيس، إن الشعب يراقب — والتاريخ كذلك. فقضية أبيي ليست مجرد شأنٍ سياسي، بل اختبارٌ للنزاهة الأخلاقية والضمير الوطني لجنوب السودان.
هل ندافع عن شعب أبيي، أم عن مواردهم فقط؟
إذا كانت قيمة النفط لدينا أعلى من قيمة الإنسان، فقد خسرنا جوهر ثورتنا.
أبيي ليست معركتهم وحدهم — بل معركتنا جميعًا. إنها المرآة التي تنعكس فيها ضمائرنا كأمة.
“ليكن هذا الموقف شاهدًا أمام التاريخ: شعب أبيي يستحق العدالة، لا لجنةً جديدة.”









