في خطوة تاريخية جمعت بين القادة الدينيين والدبلوماسيين ونشطاء السلام من مختلف أنحاء العالم، انطلقت من سراييفو، المدينة التي شهدت أحد أكثر الصراعات دموية في أوروبا الحديثة، مبادرة جريئة تهدف إلى جعل القرن الحادي والعشرين “قرنًا بلا حروب”
تستعد سراييفو اليوم لاختتام فعاليات القمة العالمية “نداء من أجل السلام، وإنهاء الحروب، واحترام القانون الدولي”، التي نظمتها منظمة تحالف الأمم المتحدة للحضارات بالشراكة مع منظمة “أديان من أجل السلام”. وشهدت القمة مشاركة واسعة شملت ممثلين عن وزارة الخارجية البوسنية، عمدة المدينة، أعضاء المجلس البيني للأديان، قادة النساء والشباب، الأكاديميين، وممثلي المجتمع المدني.
سراييفو: من رمز الحرب إلى منارة السلام
لم تكن اختيار سراييفو لانطلاق هذه المبادرة مصادفة، فالمدينة التي شهدت اندلاع الحرب العالمية الأولى وأطول حصار في أوروبا الحديثة، تتحول اليوم إلى منصة عالمية للسلام. وفي كلمته الترحيبية، قال الحاج حسين أفندي كافازوفيتش، المفتي العام للجماعة الإسلامية في البوسنة: “مرحبًا بكم في مدينتنا، المكان الذي يؤهله تاريخه وإيمان شعبه بشكل فريد لإرسال رسائل السلام. التعاطف والاحترام المتبادل هما المفتاح لبناء سلام دائم”.
بيان سراييفو المشترك: التزامات جوهرية لبناء السلام
أسفر المؤتمر عن إعداد بيان سراييفو المشترك، الذي تضمن مجموعة من الالتزامات الأساسية، أبرزها إدانة حروب العدوان والهجمات على المدنيين والتراث الثقافي، وإعادة بناء الثقة في القانون الدولي ومؤسسات العمل الجماعي، والاعتراف بالقادة الدينيين كـ”جسور للسلام” قادرة على كسر حواجز الكراهية والتعصب. كما دعا البيان القوى العالمية إلى تحويل ميزانياتها الحربية إلى صندوق عالمي لتلبية احتياجات الشعوب الفقيرة، والتعهد بمكافحة خطاب الكراهية، وضمان نزاهة المعلومات ومواجهة التضليل والإفلات من العقاب.
“لا بديل عن مفاوضات السلام”
حمل القادة الدينيون في البوسنة رسالة موحدة خلال جلسات الحوار. فقد طالب المطران خريزوستوم من دابر-بوسنا بـ”وقف فوري وغير مشروط للعمليات العسكرية في كل مكان”، مؤكدًا أن “مفاوضات السلام ليس لها بديل”. وأوضح المطران تومو فوكشيتش أن دور الأديان يتمثل في “تقديم القدوة والأمل في عالم متصدع”.
حركة عالمية جديدة للسلام
أكد المنظمون أن المبادرة تهدف لسد فراغ عالمي في خطاب السلام. وقال ميغيل أنخيل موراتينوس، الممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات: “نحتاج إلى قصة جديدة، حركة جديدة تثبت أنه من الممكن العيش بدون حرب. هذه ليست مثالية، بل هدف واقعي وعاجل”.
وشدد فرانسيس كوريا، الأمين العام لمنظمة “أديان من أجل السلام”، على أن “الدبلوماسية الروحية جزء أساسي من الدبلوماسية لا يمكن تجاهله”. وأوضح إيغور كوزمياكين، حزان كنيس سراييفو، أن قصة المدينة تبرهن أن التعايش ليس مجرد ذكرى من الماضي، بل مسؤولية حية، مضيفًا: “السلام ممكن عندما نختار التفاهم على الخوف والتعاطف على اللامبالاة”.
منصة جديدة للعمل الدولي
يعتبر البيان الختامي للمؤتمر بمثابة منصة عمل جديدة ستدفعها الجهات المنظمة إلى الأمام في المحافل الدولية، ساعيةً لتحويل كلمات الأمل إلى أفعال ملموسة، وإطلاق لوبي للسلام ليكون صوتًا للإنسانية في مواجهة نزعات الحرب، داعيًا جميع الأطراف إلى الالتزام بالقانون الدولي، وتعزيز الحوار، وإنهاء النزاعات المسلحة، وبناء عالم يسوده التعايش والكرامة الإنسانية










