إصلاحات الإقامة في السعودية تُنهي عصر الكفالة وتؤسس لمرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي وجذب الكفاءات العالمية ضمن رؤية 2030
في خطوة غير مسبوقة بالمنطقة، وبعد عام ونصف من تطبيقها لنظام “الإقامة المميزة” الجديد، ترسّخ السعودية مكانتها كوجهة عالمية للعيش والاستثمار، بعدما غيّرت جذريًا معادلة الإقامة والعمل للأجانب.
البرنامج الذي أُعلن عنه رسميًا في يناير 2024 بسعر 4000 ريال سعودي فقط، شكّل نقلة نوعية مقارنة بالنظام السابق الذي كانت رسومه تصل إلى 100 ألف ريال للإقامة المحددة المدة و800 ألف ريال للدائمة، ما جعله حكرًا على فئة محدودة من المستثمرين.
اليوم، ومع مرور أكثر من 18 شهرًا على إطلاق البرنامج، تشير المؤشرات إلى إقبال متزايد من الموهوبين، والأطباء، والرياضيين، ورواد الأعمال الذين وجدوا في النظام الجديد فرصة للإقامة والعمل دون الحاجة إلى “كفيل” محلي، في إطار أوسع لسياسات الانفتاح الاقتصادي ورؤية المملكة 2030.

البرنامج قُسّم إلى خمسة مسارات رئيسية تشمل:
• إقامة الموهوبين: مخصصة للمهنيين في مجالات الطب، العلوم، والأبحاث، وتشترط عقد عمل براتب يبدأ من 14,000 ريال وخبرة لا تقل عن ثلاث سنوات.
• إقامة الفنانين والرياضيين: موجهة لأصحاب الإنجازات المعترف بها دوليًا أو الحاصلين على جوائز مرموقة.
• إقامة المستثمرين: متاحة لمن يمتلك 7 ملايين ريال سعودي كحد أدنى، ويوفر ما لا يقل عن 10 فرص عمل للمواطنين السعوديين.
• إقامة رواد الأعمال: تستهدف مؤسسي الشركات الناشئة ممن لديهم تمويل لا يقل عن 400 ألف ريال، وتُمنح لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد.
• إقامة ملاك العقارات: مخصصة للذين يمتلكون عقارات سكنية بقيمة 4 ملايين ريال فأكثر، على أن تكون الملكية خالية من الرهن ومثبتة رسميًا.
هذه الفئات لا تتيح فقط الإقامة والعمل، بل تمنح أيضًا حق التملك الكامل للعقارات والمركبات، والتنقل بحرية داخل وخارج المملكة دون تأشيرات، وإمكانية ضم الأسرة والأبناء حتى سن 25 عامًا.
بحسب خبراء الاقتصاد، يمثل هذا النظام تحولًا جذريًا في فلسفة الإقامة بالسعودية، إذ انتقل من نموذج “التبعية القانونية للكفيل” إلى نموذج “الإقامة بالجدارة الاقتصادية والمهنية”.
ويُعد ذلك انعكاسًا مباشرًا لرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في بناء اقتصاد تنافسي عالمي يعتمد على الكفاءات والاستثمارات النوعية.
في المقابل، يرى مراقبون أن التطبيق العملي للبرنامج سيحتاج إلى ضمانات بيروقراطية أكثر مرونة، خصوصًا في مسارات الموهوبين ورواد الأعمال التي تعتمد على تقييمات مهنية وتمويلات خارجية، مؤكدين أن نجاح التجربة يعتمد على مدى قدرة الجهات الحكومية على تسهيل الإجراءات ومواكبة الطلب المتزايد.
مزايا غير مسبوقة للمقيمين
يمنح البرنامج حامليه مجموعة من الامتيازات التي كانت سابقًا حكرًا على المواطنين، أبرزها:
• حرية العمل في القطاع الخاص وتغيير جهة العمل دون كفيل.
• حق تملك العقارات والمركبات وفق القوانين المحلية.
• دخول وخروج حر من المملكة دون تأشيرات مسبقة له ولأسرته (الزوجة، الأبناء دون 25 عامًا، وربما الوالدين).
• التمتع بالحقوق الاجتماعية والشرعية الكاملة داخل المملكة.
اللافت أن السعودية لم تكتفِ بتخفيض التكلفة بشكل كبير، بل جعلت عملية التقديم رقمية بالكامل عبر بوابة الإقامة المميزة الإلكترونية، ما يقلل الاعتماد على الوسطاء والمكاتب الخاصة.
وبينما كان نظام الكفالة في السابق يُنظر إليه باعتباره قيدًا قانونيًا واجتماعيًا، يأتي هذا التحول ليعيد تعريف العلاقة بين المقيم والدولة على أساس الكفاءة والالتزام بالقانون، لا على التبعية أو الحاجة إلى وسيط إداري.
بهذا التغيير، تضع السعودية نفسها في موقع الريادة بين الدول العربية من حيث تحرير سوق العمل، وجذب الكفاءات، وتدويل بيئة الإقامة، في وقت تسعى فيه دول الخليج الأخرى للحاق بهذا النموذج الجديد من “الإقامة الذكية” المرتبطة بالاستثمار والابتكار
بين الطموح والانفتاح
يُنظر إلى البرنامج باعتباره واحدًا من أكثر مبادرات الإقامة مرونة وتنافسية في الشرق الأوسط، إذ يقلّص الفجوة بين المقيم والمواطن، ويمنح الوافدين المميزين فرصة للمشاركة الفاعلة في بناء الاقتصاد الوطني.
لكنّ مراقبين يرون أن نجاح البرنامج الحقيقي سيُقاس بمدى فعالية تطبيقه على أرض الواقع، وسرعة الإجراءات، والعدالة في منح الإقامات بعيدًا عن البيروقراطية أو المحسوبية.










