وسط تصاعد التوترات الأمنية في شمال غرب سوريا، عاد اسم الجهادي الفرنسي عمر أومسين، المعروف أيضا باسم عمر ديابي، إلى الواجهة، بعد اتهامه مؤخرا بالضلوع في عملية خطف طفلة فرنسية داخل “مخيم الفرنسيين” في ريف إدلب. أومسين، البالغ من العمر 45 عاما، يعد من أبرز رموز الجهاديين الأجانب في سوريا، ويترأس كتيبة “فرقة الغرباء”، التي تضم مقاتلين أجانب، معظمهم من فرنسا.
خلفية شخصية وتحول جذري
ولد عمر أومسين في السنغال ونشأ في مدينة نيس الفرنسية، حيث عمل في أحد المطاعم المحلية قبل أن يتجه إلى التشدد الديني مطلع الألفينات. تأثر بالفكر الجهادي المنتشر على الإنترنت، وسرعان ما أصبح من الدعاة البارزين بين الشباب المسلم في فرنسا، مستغلا وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لأفكاره المتطرفة.
في عام 2013، سافر إلى سوريا وانضم إلى الجماعات المسلحة هناك، ليؤسس لاحقا “فرقة الغرباء”، وهي كتيبة ذات طابع أجنبي، جمعت حوله عشرات الفرنسيين، خصوصا من مدينته نيس.
الدور في سوريا وبناء “دولة داخل الدولة”
تحت قيادته، أصبحت فرقة الغرباء قوة مقاتلة فاعلة ضمن فصائل المعارضة المسلحة. ورغم ارتباطها السابق بجبهة النصرة، حافظت على استقلالية نسبية، وحاليا تتبع اسميا لـ”الفرقة 82″ التابعة للجيش السوري الانتقالي.
في بلدة حارم بريف إدلب، أسس أومسين “مخيم الفرنسيين”، وهو تجمع مغلق يضم نحو 150 عائلة، أغلبها من جنسيات أوروبية، وصف من قبل المراقبين بأنه “دولة مصغرة” تحكمها قوانين صارمة وتعاليم دينية متشددة، مع عزلة شبه تامة عن العالم الخارجي.
تصنيفه كإرهابي وصراعات داخلية
تعتبره فرنسا والولايات المتحدة “إرهابيا عالميا”، وتتهمه بتجنيد مقاتلين وتنسيق عمليات في مناطق النزاع. وقد أدرج اسمه على قوائم المطلوبين منذ سنوات.
في عام 2023، اعتقلته “هيئة تحرير الشام” في إدلب بتهم تتعلق بـ”تجاوزات أمنية”، لكنه خرج من السجن بعد عام ونصف، ليعود أقوى سياسيا وعسكريا، مثيرا الجدل داخل المعارضة السورية.
أزمة جديدة: اختطاف طفلة فرنسية
في تطور خطير، أعلنت السلطات السورية الانتقالية في أكتوبر 2025 أن عمر أومسين متورط في اختطاف الطفلة الفرنسية ميمونة فرستاي (11 عاما)، من داخل مخيمه، وطلب فدية مقابل الإفراج عنها. هذه الاتهامات فجرت أزمة أمنية، إذ شنت قوات الأمن الداخلي السوري، ليلة 21-22 أكتوبر، عملية عسكرية ضد المخيم.
ورغم نفي أومسين عبر تسجيل صوتي نشر على الإنترنت، واتهامه للاستخبارات الفرنسية بـ”تلفيق التهم”، تشير الأوضاع الميدانية إلى اشتباكات عنيفة مستمرة، وسط أنباء عن محاولات اقتحام المخيم المحصن.
مواقف متضاربة وتصاعد الضغوط
في تصريح لوكالة فرانس برس، قال جبريل أومسين، نجل عمر، إن الاشتباكات مستمرة، واتهم الحكومة السورية بالرضوخ لضغوط فرنسية. وأضاف أن العملية تهدف إلى “إسكات الصوت الأجنبي” داخل إدلب، في ظل توجهات دولية نحو تصفية ملف المقاتلين الأجانب.
شخصية مثيرة للجدل
يوصف عمر أومسين بأنه شخصية كاريزمية ذات نفوذ واسع في أوساط الجهاديين، استطاع تجنيد العشرات بفضل خطابه الديني الصارم ومهاراته في استخدام الإعلام الدعائي. لكنه في الوقت ذاته يتهم بإدارة معسكر مغلق يفرض قيودا صارمة على النساء والأطفال، ويحول دون عودة العائلات إلى بلدانها الأصلية.
السياق الأوسع: عقدة المقاتلين الأجانب
يقدر عدد المقاتلين الأجانب المتبقين في إدلب بنحو 10 آلاف، معظمهم من جنسيات أوروبية وآسيوية. وبينما تسعى الحكومة السورية الانتقالية إلى نزع سلاحهم أو دمجهم، يمثل أومسين تحديا كبيرا، بسبب رفضه أي حلول وسط، وتمسكه بسلطته داخل معسكره.
وينظر إلى الحملة الحالية على مخيمه كاختبار حاسم لمدى قدرة السلطات على فرض سيادتها على كامل إدلب، خاصة في ظل الضغوط الفرنسية المستمرة لاستعادة الأطفال الفرنسيين المحتجزين في مناطق سيطرة الجماعات المسلحة.
عمر أومسين ليس مجرد مقاتل أجنبي، بل هو زعيم جهادي بنى لنفسه كيانا مستقلا داخل الأراضي السورية. ومع تعقد ملف المقاتلين الأجانب في سوريا، يظل أومسين شخصية محورية في مشهد لا يزال يشهد فصولا دامية من التوتر والاشتباك بين المحلي والدولي، وبين الدين والسياسة، وبين من يريد البقاء ومن يسعى للرحيل.











