غزة – خان يونس
في مشهد يُجسد أقسى ما أنتجته الحرب على غزة من فظائع، اجتمع العشرات من الفلسطينيين، بعضهم يرفع الأعلام الفلسطينية وآخرون يلوّحون بصور المفقودين، أمام مستشفى ناصر بمدينة خان يونس لأداء صلاة الجنازة على 54 جثمانًا لفلسطينيين مجهولي الهوية، أعادتهم إسرائيل إلى القطاع الأسبوع الماضي، وسط اتهامات بوجود آثار تعذيب وتشويه على بعض الجثامين.
“شهود الموت” في أكفان بيضاء
بحسب وكالة الأسوشييتد برس (AP)، كانت الجثامين ملفوفة في أكفان بيضاء بسيطة، وقد رُصّت في صفوف طويلة استعدادًا لنقلها إلى مدينة دير البلح وسط القطاع لدفنها في مقبرة جماعية.
وقال مسؤول صحي كبير في غزة إن بعض الجثامين “تحمل أدلة واضحة على التعذيب”، مطالبًا بفتح تحقيق دولي عاجل في ظروف احتجازهم ووفاتهم.
“هذه ليست مجرد أجساد مجهولة… إنها شهادات دامغة على ما جرى خلف جدران السجون والمراكز العسكرية الإسرائيلية.” — مسؤول بوزارة الصحة في غزة

من هم الضحايا؟
إسرائيل لم تقدم أي إيضاح رسمي حول هوية الجثامين أو ظروف احتجازها.
ويرجح مسؤولون فلسطينيون أن الجثامين تعود إلى:
• فلسطينيين قُتلوا خلال هجمات 7 أكتوبر 2023،
• وآخرين توفوا أثناء الاعتقال في سجون إسرائيلية،
• أو جثامين احتُجزت من داخل غزة أثناء العمليات العسكرية.
وبحسب وزارة الصحة في غزة، تم التعرف على هوية 52 جثمانًا حتى الآن من أصل 165 أعادتهم إسرائيل خلال الأسبوع الماضي.
جرائم تُدفن بصمت
الصور التي خرجت من خان يونس – صفوف من الجثامين الملفوفة بالأكفان البيضاء وسط صرخات ذويهم – اختصرت مأساة حربٍ بلا نهاية.
بينما كانت الحشود تودّع الضحايا بالدعاء والتكبير، ظلّ العالم الرسمي صامتًا، يراقب من بعيد تشييع جريمة جديدة تُدفن دون محاسبة.
مطالب دولية بالتحقيق والعقوبات
في الوقت نفسه، تتزايد الأصوات الدولية، حتى من داخل المجتمع اليهودي نفسه، مطالبةً بمحاسبة إسرائيل.
فقد أصدر أكثر من 450 شخصية يهودية بارزة – من بينهم مسؤولون إسرائيليون سابقون ومثقفون حائزون على جوائز عالمية – رسالة مفتوحة إلى الأمم المتحدة تطالب بفرض عقوبات فورية على إسرائيل ومحاسبتها على ما وصفوه بأنه “أفعال لا تُغتفر ترقى إلى الإبادة الجماعية”.
وجاء في الرسالة:
“لا ننسى أن القوانين والمواثيق التي وُضعت لحماية الحياة الإنسانية بعد الهولوكوست، تُنتهك اليوم بلا هوادة على يد إسرائيل.”
دفن الجثامين… ودفن الحقيقة
إعادة الجثامين بهذا الشكل لا تعني إغلاق الملف، بل تفتح جرحًا أعمق في ذاكرة الفلسطينيين والعالم.
فحين تعيد دولةٌ جثثًا تحمل آثار تعذيب، دون تفسير أو تحقيق، فإنها تُعلن انتصارها على العدالة لا على الأعداء.
وفي ظل صمت المؤسسات الدولية، تتواصل المأساة بين مقابر غزة ومكاتب السياسة في بروكسل وواشنطن، حيث تُقايَض الأرواح بالتوازنات الدبلوماسية.










