في خطوة تُعيد خلط أوراق المشهد الجيوسياسي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات غير مسبوقة على عملاقي النفط الروسيين “روسنفت” و“لوك أويل”، متهمةً إياهما بتغذية ماكينة الحرب الكرملينية في أوكرانيا. القرار الأمريكي جاء كصفعةٍ دبلوماسية مزدوجة — بعد يومٍ واحد فقط من انهيار القمة المرتقبة بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، والتي كانت تُراهن عليها بعض الدوائر لفتح نافذة نحو وقف إطلاق النار.
لكنّ ما حدث على الأرض بدا وكأنّه إعلانٌ صريح بانتهاء مرحلة المساومات؛ فبينما كانت واشنطن تُعلن عقوباتها، كانت موسكو تستعرض عضلاتها النووية على المسرح العالمي — صواريخ باليستية عابرة للقارات، وقاذفات تجوب سماء البلطيق، ورسالة واضحة مفادها: “نحن لا نُرهب، بل نُرهِب”.
النفط.. شريان الحرب وميدان العقوبة
الولايات المتحدة استهدفت قلب الاقتصاد الروسي — النفط، مصدر تمويل الحرب الأول. فكل برميل روسي، في نظر واشنطن، يُترجم إلى رصاصة أو صاروخ في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن الخطوة تحمل مخاطرة كبرى: زلزال محتمل في أسواق الطاقة العالمية التي لا تزال تتعافى من صدمات الحرب والعقوبات المتكررة.
أما في أوروبا، فقد بدا الموقف أكثر صلابة من أي وقت مضى. الاتحاد الأوروبي أقرّ حزمة العقوبات التاسعة عشرة متضمنةً حظرًا على استيراد الغاز الطبيعي الروسي المسال، مؤكداً أن زمن “الترضيات” ولى بلا عودة. فالدبلوماسية الناعمة لم تُنهِ الحرب، بل أطالت أمدها.
ترامب يتراجع.. وبوتين يراهن على ضبط النفس
الرئيس الأمريكي، الذي لطالما أبدى تحفظًا على استهداف قطاع الطاقة الروسي، اضطر إلى الانحناء أمام ضغوط الكونغرس وحلفائه الغربيين الذين ضاقوا ذرعًا بتحدي موسكو. القرار يعكس تحوّلًا في المزاج السياسي داخل واشنطن، لكن بوتين يبدو وكأنه يقرأ المشهد ببرود المعتاد: “كلما اشتدت العقوبات، اشتدّ صمودنا”.
النظام الروسي يدرك أن العقوبات، مهما بلغت، لا تغيّر موازين الميدان بين يومٍ وليلة. ولهذا يواصل اللعب بورقة الردع النووي، ملوّحًا بسيناريوهات تُعيد للعالم كوابيس الحرب الباردة.
أوروبا على الحافة.. والصين في الظل
بينما يتبادل الطرفان الأمريكي والروسي لغة النار والعقوبات، تقف أوروبا على الحافة، تخشى أن تكون الفاتورة التالية اقتصادية أو أمنية. في المقابل، تتحرك الصين بهدوءٍ محسوب، إذ يُرتقب أن يجتمع شي جين بينغ بالرئيس ترامب في كوريا الجنوبية، ربما في محاولةٍ لإعادة إحياء المسار الدبلوماسي — أو على الأقل لتأمين مصالح بكين وسط عاصفة الغرب والكرملين.
مشهد قاتم ومستقبل غامض
في النهاية، تكشف هذه التطورات أن الدبلوماسية باتت على أجهزة الإنعاش، بينما يحتل الاقتصاد والطاقة والنووي موقع القيادة في سباق الهيمنة. العقوبات قد تُوجع موسكو، لكنها لا تُطفئ نيران الحرب. أما العالم، فيبدو أنه يدخل حقبة جديدة عنوانها “القوة بدل الحوار” — حيث يتحدث الكبار بصوت النفط والصواريخ، لا بالكلمات والمواثيق.










