اسرائيل تملي شروطها على القوة الدولية في غزة… ترفض أنقرة وأزمة جديدة بين واشنطن والأمم المتحدة
من المرجح أن تُستبعد تركيا من القوة المكوّنة من 5 آلاف جندي، والتي يُخطط لنشرها داخل غزة لتثبيت الاستقرار بعد الحرب، وذلك بعد أن أوضحت إسرائيل أنها لا تريد مشاركة قوات تركية في تلك القوة.
قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن من المتطلبات الأساسية أن تكون إسرائيل مرتاحة من حيث جنسية الدول المشاركة في القوة متعددة الجنسيات، التي تم تشكيلها لتفادي حدوث فراغ أمني عندما تبدأ عملية إعادة الإعمار الضخمة في غزة.
وقد أعلنت تركيا استعدادها للمشاركة بقوات عسكرية، لكن إسرائيل أوضحت أنها تعترض على مشاركة الجنود الأتراك في تلك القوة.
توترات العلاقات بين إسرائيل وتركيا تصاعدت على خلفية الملف السوري، كما ترى الحكومة الإسرائيلية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قريب جدًا من جماعة الإخوان المسلمين ومن حركة حماس نفسها.
لكن استبعاد تركيا من قوة الاستقرار سيكون أمرًا مثيرًا للجدل، كونها واحدة من الضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار المكوَّن من 20 بندًا الذي طرحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كما تُعدّ من بين أقوى الجيوش المسلمة وأكثرها كفاءة
مصر تتصدر المشهد
ورغم الجدل، يُرجّح أن تتولى مصر قيادة القوة الدولية، بمشاركة محدودة من الإمارات وإندونيسيا ودول أخرى، مع رغبة بعض الدول في منحها تفويضًا من مجلس الأمن الدولي لضمان شرعيتها القانونية.
القوة ستعمل بالتنسيق مع مركز أمريكي جديد يُعرف باسم مركز التنسيق المدني–العسكري (CMCC)، مقره في بلدة كريات جات جنوب إسرائيل، ويضم مستشارين من بريطانيا وفرنسا والأردن والإمارات.
المركز، الذي افتتحه نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس الأسبوع الماضي، بدأ يتولى أيضًا تنسيق المساعدات الإنسانية إلى غزة، رغم استمرار إغلاق المعابر الرئيسية
مهمة معقدة في غزة
المهام الموكلة للقوة تشمل نزع سلاح حركة حماس وتأمين تشكيل حكومة فلسطينية انتقالية.
إلا أن هذه الخطوة تواجه انقسامات حادة، خصوصًا بعد أن استبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة القطاع.
في المقابل، أعلنت الفصائل الفلسطينية، خلال اجتماعات في القاهرة الجمعة، عن تشكيل لجنة انتقالية من التكنوقراط المستقلين لإدارة شؤون غزة بالتعاون مع الدول العربية والمؤسسات الدولية، وقالت حماس إنها تلقت “ضمانات واضحة بأن الحرب انتهت فعليًا”.

أنقرة غاضبة والبعثة التركية عالقة
وفي دلالة على التوتر القائم بين تركيا وإسرائيل، بقيت الفرق التركية للبحث والإنقاذ المرسلة للمساعدة في العثور على جثامين الفلسطينيين والإسرائيليين داخل غزة عالقة قرب الحدود المصرية يوم الخميس بانتظار التصريح الإسرائيلي بالدخول.
الفريق، المكوَّن من 81 عضوًا من هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD)، ينتظر السماح له بالعبور ومعه أجهزة كشف عن الحياة وكلاب بحث مدرَّبة.
الرئيس رجب طيب أردوغان صعّد لهجته، مطالبًا الولايات المتحدة بـ فرض عقوبات على إسرائيل ووقف مبيعات الأسلحة لإجبارها على الالتزام بخطة ترامب، مؤكدًا أن واشنطن تتواطأ مع تل أبيب في “إعادة تشكيل غزة وفق شروطها”.
واشنطن تُقصي “الأونروا” وتثير أزمة جديدة
في خطوة مثيرة للجدل، أعلن ماركو روبيو أن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لن يكون لها أي دور في غزة، واصفًا إياها بأنها “تابعة لحماس”.
تصريحات روبيو وضعت واشنطن في مواجهة مباشرة مع الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، التي أكدت في رأي استشاري حديث أن الأونروا “آلية لا يمكن الاستغناء عنها لتوزيع المساعدات”، مشيرة إلى أن إسرائيل لم تقدّم دليلاً قاطعًا على اختراق الوكالة من قبل حماس.
ويبدو أن هذا الموقف الأمريكي–الإسرائيلي المشترك يضع الأمم المتحدة أمام معضلة جديدة: فبينما قبل ترامب من حيث المبدأ وجودًا أمميًا في عملية إعادة الإعمار، يسعى الآن إلى استبعاد الأونروا تحديدًا، ما يُعد تصعيدًا مباشرًا ضد المؤسسة الأممية.
انتقادات أوروبية ودولية
أما النرويج، التي كانت قد بادرت بطرح مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي أدى إلى إصدار رأي محكمة العدل الدولية، فقد أعلنت أنها تعدّ مشروع قرار جديدًا يتضمن النتائج الأساسية لرأي المحكمة، والتي شددت على ضرورة ألا تقيّد إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة بوصفها قوة احتلال.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي قبلت به إسرائيل، كان من المفترض أن تدخل 600 شاحنة مساعدات يوميًا إلى القطاع، لكن منذ توقيع الاتفاق، لم يتجاوز المعدل اليومي 89 شاحنة فقط، أي 14% فقط من الكمية المتفق عليها.
وانتقدت الأونروا إسرائيل قائلة:
“منذ بداية الحرب في غزة، شهدت الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، تصاعدًا حادًا في العنف.
الأسر لا تعرف سوى الخوف والقلق، واستمرار ضم الضفة الغربية يجري دون توقف، في انتهاك صارخ للقانون الدولي. يجب أن يتوقف هذا. مستقبل غزة والضفة الغربية واحد.”
مشاهد الدمار ومفاوضات القاهرة
رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) توم فليتشر، قال في مقابلة مع “بي بي سي” عن زيارته الأخيرة لغزة:
“شعرت وكأنني أقود سيارتي وسط أنقاض هيروشيما أو ستالينغراد أو دريسدن.”
في الوقت ذاته، عقدت وفود من حماس برئاسة خليل الحية، ومن فتح برئاسة حسين الشيخ، اجتماعًا في القاهرة يوم الجمعة لمناقشة الترتيبات لما بعد الحرب في قطاع غزة.
وقالت حماس إنها تلقت “ضمانات واضحة” من الوسطاء بأن الحرب انتهت فعليًا.
وجاء في بيان مشترك نُشر على موقع حماس أن الفصائل اتفقت خلال الاجتماع في القاهرة على تسليم إدارة قطاع غزة إلى لجنة فلسطينية مؤقتة من المستقلين (التكنوقراط) تتولى إدارة شؤون الحياة والخدمات الأساسية بالتعاون مع الدول العربية والمؤسسات الدولية.
استبعاد تركيا من القوة الدولية وتهميش “الأونروا” لا يُقرأان بمعزل عن السياق السياسي العام؛ فإسرائيل تسعى إلى ضبط مخرجات ما بعد الحرب بما يضمن هيمنتها الأمنية والاقتصادية، بينما تعمل واشنطن على تطويع المؤسسات الدولية لخدمة هذا الهدف.
وفي المقابل، تبدو الأطراف العربية والإسلامية رهينة لعبة الشروط الأمريكية–الإسرائيلية، بين من يسعى لدور رمزي، ومن يخشى الصدام المباشر مع الحليف الأمريكي.
أما تركيا، التي لطالما روجت لنفسها كـ”صوت الفلسطينيين”، فقد وجدت نفسها اليوم خارج اللعبة العسكرية والدبلوماسية، ما قد يدفعها إلى التصعيد عبر أدوات أخرى في المرحلة المقبلة.










