أعاد المغني البريطاني بوبي فايلان، قائد فرقة بوب فايلان (Bob Vylan)، إشعال الجدل حول حدود حرية التعبير في بريطانيا بعد تأكيده أنه “غير نادم” على هتافه “الموت، الموت للجيش الإسرائيلي (IDF)” خلال مشاركته في مهرجان غلاستنبري الصيف الماضي، مؤكدًا أنه “سيفعل الأمر مجددًا غدًا، ومرتين يوم الأحد”.
الفرقة البريطانية ذات الطابع السياسي الجريء كانت قد قادت تلك الهتافات في يونيو الماضي، ما أثار انتقادات واسعة من إدارة المهرجان ومن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي وصفها بأنها “خطاب كراهية مروّع”.
وفي أعقاب العاصفة، أنهت وكالة المواهب الأميركية (UTA) تعاقدها مع الفرقة، كما ألغت وزارة الخارجية الأميركية تأشيرات أعضائها، وهو ما أجبرهم على إلغاء جولتهم الفنية في أمريكا الشمالية.
“ردود الفعل ضئيلة مقارنة بمعاناة الفلسطينيين”
في أول مقابلة له منذ تلك الواقعة، ضمن بودكاست الصحفي لويس ثيرو (The Louis Theroux Podcast)، سُئل فايلان (الاسم الحقيقي: باسكال روبنسون-فوستر) عمّا إذا كان سيكرر ما فعله، فأجاب بثقة:
“بالتأكيد، لو ذهبت إلى غلاستنبري غدًا، سأفعلها مجددًا. لست نادمًا عليها. سأفعلها غدًا، ومرتين يوم الأحد.”
وأضاف أن ما واجهه من انتقادات “ضئيل جدًا مقارنة بما يمر به الشعب الفلسطيني”، موضحًا:
“إذا كان الفلسطينيون يدعمون ما فعلته، وهم من أفعل ذلك لأجلهم وأتحدث باسمهم، فما الذي يجب أن أندم عليه؟ لأنني أغضبت سياسيًا يمينيًا أو وسيلة إعلام يمينية؟”
مقابلة تسبق أحداثًا حساسة
سُجلت المقابلة في الأول من أكتوبر، أي قبل هجوم كنيس مانشستر في 2 أكتوبر الذي أسفر عن مقتل شخصين، وقبل بدء وقف إطلاق النار في غزة في 10 أكتوبر.
وقال فايلان إنه فوجئ بحجم الجدل الذي أثاره أداؤه، مشيرًا إلى أن بعض العاملين في هيئة الإذاعة البريطانية BBC وصفوا العرض بأنه “رائع”، قبل أن تعلن وحدة الشكاوى التحريرية لاحقًا أن بث الحفل “انتهك المعايير المتعلقة بالأذى والإساءة”.
رد على انتقادات دامون ألبارن
كما ردّ فايلان على تصريحات دامون ألبارن، المغني الرئيسي لفرقة Blur، الذي وصف الهتاف بأنه “أحد أكثر الأخطاء الفادحة التي شاهدها في حياته”، قائلاً:
“وصفه لذلك باعتباره ’خطأ فادحًا‘ يعني ضمنيًا أن موقفنا السياسي أو دعمنا لتحرير فلسطين غير مدروس. وهذا غير صحيح.”
وأضاف:
“لدي مشكلة كبيرة مع استخدامه لعبارة ’يسير بخطوات نازية‘، لأنها لا تُستخدم إلا في سياق ألمانيا النازية. واستخدامه لتلك اللغة أمر مقزّز ومهين.”
“الهتاف فني قبل أن يكون سياسيًا”
وحين سُئل عن معنى الهتاف “الموت للجيش الإسرائيلي”، قال فايلان إن الأمر “رمزي أكثر من كونه دعوة فعلية”، موضحًا:
“ما هو مهم هي الظروف التي سمحت بأن يُقال ذلك الهتاف على المسرح — أقصد الظروف القائمة في فلسطين، حيث يُقتل الفلسطينيون بمعدل مرعب. من يهتم بالهتاف نفسه؟”
وأضاف أن اختيار الكلمات كان لأسباب إيقاعية:
“عبارة ’الموت، الموت للجيش الإسرائيلي‘ بها جناس موسيقي. أما ’أوقفوا الجيش الإسرائيلي‘ فلا تتناغم، ولم تكن لتنتشر. نحن موسيقيون، وهذا جزء من الأداء الفني.”
اتهامات بمعاداة السامية وردود دفاعية
ورفض فايلان اتهامات منظمة الأمن المجتمعي (CST)، التي ربطت بين أدائه وارتفاع حوادث معاداة السامية في بريطانيا بعد يومين من الحفل، مؤكدًا:
“لم أخلق بيئة غير آمنة للمجتمع اليهودي. لم يقل أحد إن بوب فايلان جعله يفعل شيئًا. لذا لا أرى أنني تسببت بأي ضرر.”
وأشار إلى أن العِرق لعب دورًا في تضخيم الهجوم ضده مقارنة بفرق أخرى ذات مواقف مشابهة، مثل الفرقة الأيرلندية Kneecap، قائلاً:
“نحن هدف أسهل للهجوم، لأننا بالفعل العدو في نظر البعض.”
حرية التعبير في مواجهة الرقابة التجارية
جاءت المقابلة بعد أيام فقط من إعلان الخطوط الجوية البريطانية وقف رعايتها لبودكاست لويس ثيرو بسبب محتوى الحلقة، مؤكدة أن المقابلة “خَرقت سياستها بشأن الموضوعات السياسية المثيرة للجدل”.
ويرى محللون أن هذه الواقعة تسلط الضوء على الحد الفاصل بين حرية التعبير والرقابة المؤسسية، حيث تحاول الشركات الكبرى حماية صورتها التجارية، بينما يدافع الفنانون عن حقهم في التعبير السياسي دون قيود.
وفي الوقت الذي يصر فيه فايلان على أنه “يستخدم الموسيقى للدفاع عن المظلومين”، يرى منتقدوه أنه تجاوز الخط الفاصل بين الاحتجاج السياسي والتحريض — لتتحول القضية إلى اختبار جديد للثقافة البريطانية في زمن تتقاطع فيه السياسة بالفن والهوية.










