في ظل التصعيد العسكري المستمر في السودان، خاصة في إقليم دارفور، أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أن انسحاب قوات الجيش من مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور جاء “بقرار استراتيجي” للحفاظ على الأرواح والمعدات، مؤكدا أن القوات المسلحة “قادرة على قلب الموازين وتحقيق النصر في القريب العاجل”.
جاءت تصريحات البرهان في خطاب تلفزيوني مباشر بثته القنوات السودانية والدولية مساء اليوم الاثنين، في أعقاب إعلان قوات الدعم السريع (RSF) سيطرتها الكاملة على المدينة بعد معارك طاحنة استمرت لأشهر.
البرهان: نعيد التنظيم.. والنصر قادم
وقال البرهان إن الانسحاب من الفاشر “ليس تراجعا، بل إعادة تموضع تكتيكية”، مضيفا:”قواتنا انسحبت لتعيد ترتيب صفوفها استعدادا لجولات أقوى، وسنستعيد كل شبر من أرض السودان.”
وأكد القائد العام أن القوات المسلحة “ستقتص لكل الشهداء” وأن “دماء السودانيين لن تذهب هدرا”، مشيرا إلى استعداد الجيش للتفاوض مع أي جهة “تضع مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية”، دون أن يتنازل عن “واجب مواجهة العدو أينما وجد”.
وأوضح أن المدينة تعرضت لـ”تدمير ممنهج” جراء القصف والقتال المستمر، مشيرا إلى أن الجيش فضل الانسحاب لتجنب سقوط المزيد من الضحايا المدنيين.
الدعم السريع: تطهير كامل للفاشر وتأمين المرافق العامة
من جانبها، أعلنت قوات الدعم السريع في بيان رسمي صباح أمس الأحد 26 أكتوبر أنها استكملت عمليات “التمشيط والتطهير الكامل” لمدينة الفاشر، مؤكدة القضاء على آخر جيوب المقاومة التابعة للجيش داخل المدينة.
وأشار البيان إلى أن القوات بدأت في نشر وحدات عسكرية لتأمين الشوارع والمقار الحكومية والمستشفيات، إلى جانب فرق مختصة لإزالة الألغام ومخلفات الحرب.
وأكدت الدعم السريع التزامها بـ”حماية المدنيين واحترام القانون الدولي الإنساني”، مشيرة إلى أن الشرطة الفيدرالية ستتولى قريبا مهام حفظ الأمن داخل المدينة بعد استكمال عمليات التأمين.
في المقابل، أفادت مصادر حقوقية محلية ودولية بوقوع انتهاكات واسعة ضد المدنيين خلال الأيام الأخيرة، وسط تحذيرات من “كارثة إنسانية وشيكة” في ظل انقطاع الإمدادات الطبية والغذائية.
تداعيات إنسانية خطيرة
تعد الفاشر آخر المعاقل الكبرى للجيش السوداني في إقليم دارفور، وسقوطها يمثل تحولا ميدانيا كبيرا في الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين ونصف.
ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، يعيش نحو 800 ألف مدني في المدينة ومحيطها أوضاعا “بالغة الخطورة”، مع نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه، وتزايد حالات النزوح الجماعي باتجاه الحدود التشادية.
المنظمات الإنسانية وصفت الوضع بأنه “أزمة إبادة بطيئة”، بينما اتهمت المنسقية الأممية لحقوق الإنسان طرفي النزاع بارتكاب جرائم حرب محتملة خلال القتال في دارفور.
تفاعلات داخلية وخارجية
تصريحات البرهان أثارت جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من وصفوا الانسحاب بأنه “خطة تكتيكية ضرورية”، ومن اعتبروه “هزيمة موجعة وسقوطا لآخر خطوط الدفاع في دارفور”.
في الأثناء، تواصل الرباعية الدولية (السعودية، الإمارات، مصر، الولايات المتحدة) مساعيها لصياغة بيان مبادئ مشترك لاستئناف المفاوضات بين الطرفين، مع تركيز أمريكي خاص على قطاع التعدين السوداني وضمان عدم استخدام موارده في تمويل الحرب.
وتشير تقارير استخباراتية متداولة إلى دعم قطري – إيراني – صيني للجيش عبر شحنات أسلحة، مقابل دعم إماراتي لوجستي وتمويلي لقوات الدعم السريع، وهو ما يزيد تعقيد المشهد الإقليمي.










