الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين، والرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا يؤكدان أهمية الحوار بين الأديان والسلام في مؤتمر سانت إيجيديو بروما 2025، مع التركيز على العدالة وحقوق الإنسان.
انطلقت في العاصمة الإيطالية روما فعاليات الدورة التاسعة والثلاثين من اللقاء الدولي بين قادة الأديان ورجال الثقافة الذي تنظمه جماعة سانت إيجيديو في تراستيفيري، تحت شعار «تجرّأوا على السلام»، ويستمر حتى 28 أكتوبر.
شهدت الجلسة الافتتاحية مشاركة الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين، بالإضافة إلى شخصيات دينية وثقافية عالمية.

الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا: السلام يتطلب شجاعة
أكد الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا أن السلام يحتاج إلى شجاعة وجهد مستمر في الحوار والوساطة، مشددًا على أهمية دعم المتألمين وبناء جسور التواصل بين الشعوب. وأوضح أن العمليات السلمية تتطلب المثابرة والصبر وتحمل المسؤولية، وأن السلام ليس مجرد حلم، بل طريق للحياة والتنمية.
وأشار الرئيس إلى الصراعات العالمية الحالية، بما فيها الأوضاع في غزة وأوكرانيا، داعيًا المجتمع الدولي إلى استجابة مشتركة قائمة على العدالة واحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان.
ريكاردي: الحوار قوة الأديان
أكد مؤسس جماعة سانت إيجيديو أندريا ريكاردي أن العالم بحاجة للانتقال من عصر القوة والحرب إلى عصر الحوار والتفاوض، وأن الأديان يمكنها إعادة الحوار إلى مركز المجتمع والعلاقات بين الشعوب، والتحرر من قفص التشاؤم. وقال إن “تجرّأوا على السلام” يعني الانفتاح على إرادة السلام، مضيفًا أن الحرب يتم إعادة تأهيلها أحيانًا كأداة لتحقيق مصالح معينة، وأن ثقافة الحوار والدبلوماسية تتعرض للتجاهل، وأن القانون الدولي يُهدر، وأن الشعوب تتعرض لشحنات عدوانية يصعب فهم تأثيرها، وأنه يُنكر وجود مصير مشترك للشعوب، بينما يتم الترويج لأيديولوجيات تستند إلى أساطير قديمة، قوميات، مخاوف جديدة وقديمة، وظهور رأسمالية تقنية عالمية.
وأوضح ريكاردي أنه رغم العولمة وفكرة العالم الموحد، لم يتم القضاء على الحرب، مما يمثل ما وصفه البابا فرانسيس بـ “فشل السياسة والإنسانية، واستسلام مخزٍ، وهزيمة أمام قوى الشر”. ودعا الأديان إلى مواجهة العنف برفض الكراهية والانعزال، مشيرًا إلى أن الانتصار الحقيقي ليس للشر، الذي تتجلى أقصى مظاهره في الحرب التي تشوه الإنسان وتولد كل أشكال الفقر. وأشار إلى وثيقة نوسترا إيتات التي تصادف ذكراها الستين في 28 أكتوبر، واليوم العالمي للصلاة من أجل السلام الذي دعا له البابا يوحنا بولس الثاني في 1986 في أسيزي، كدليل على أن الحوار هو قوة الأديان، التي رغم أنه لا يعني بالضرورة السلام، إلا أنه يعزز الاعتراف بأن الآخر جزء من المستقبل المشترك.
شيخ الأزهر: الحقوق والعدالة
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين إن مذبحة غزة “كتبت صفحات سوداء في التاريخ الحديث”، مشيرًا إلى دوره كموقع للوثيقة التاريخية الأخوة الإنسانية مع البابا فرانسيس في أبو ظبي عام 2019. وأضاف أن الأزمات الحالية، التي تجعل السلام رهينة لموازين القوة ومكاسب تجارة السلاح والاقتصاد الحربي، متجاهلة معايير القانون والعدالة، تظهر ضياع النظام العالمي، الذي يسلك طرقًا مخالفة لأخلاقيات الواجب والعلم الإنساني الأبدي. وأشاد الطيب بـ “شجاعة” الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، مؤكدًا أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام في المنطقة. وأوضح أن الإنصاف لا يعني انتصار طرف على آخر، بل هو انتصار الإنسان على نزعات الأنانية والهيمنة والمصالح المادية التي تتحكم في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية. كما أعلن أن فريق عمل مشترك بين الأزهر والكرسي الرسولي يعمل على إعداد وثيقة مشتركة حول الذكاء الاصطناعي لضمان استخدامه الأخلاقي في خدمة الإنسان وليس ضده.

زوبّي: نزع السلاح لنبني السلام
قال الكاردينال ماتّيو زوبّي، رئيس مؤتمر الأساقفة الإيطالي، في ختام الجلسة الافتتاحية: “فقط إذا كنا عُزّل يمكننا نزع السلاح، لنبدأ بإلغاء الحرب”، وأضاف أن الأديان يجب ألا تُستغل للتلاعب، وأن السعي للسلام يعني التمسك به وعدم التوقف عن البحث عنه. وأكد أن السلام لا يتحقق بالأعمال الكبيرة التي تحسب المنافع، بل بالجهود الصغيرة المتواضعة، وأن الأفعال العظيمة يقوم بها المتواضعون الذين يعرفون أن السلام يعود بالنفع على الجميع. وأوضح أن “تجرّأوا على السلام” يعني الاستماع لصرخات المساعدة من الأراضي المبتلة بدماء الأبرياء، من مخيمات اللاجئين في جنوب السودان إلى القرى المنسية في شمال موزمبيق، والاستماع لأنين الجرحى والمشوهين والأيتام والأرامل ومن لا يعرف أين يدفن أحبائه، ومن يحمل الحرب في الجسد والروح.
وأضاف أن أوروبا يجب أن تُعلّم الشباب أمانًا بدون أسلحة، وأن السلام يجب أن يُبنى، وإلا فإن الحرب ستدمرنا. وأكد زوبّي على ضرورة البدء بإلغاء الحرب داخلنا وبيننا










