الاتحاد الإفريقي يدين المجازر وجرائم الحرب في الفاشر بعد انسحاب الجيش السوداني، ويحذر من إبادة جديدة في دارفور، فيما تتزايد التحذيرات الأممية من كارثة إنسانية غير مسبوقة.
أدان الاتحاد الإفريقي ما وصفه بـ”المجازر” و”جرائم الحرب” المروعة التي تُرتكب في مدينة الفاشر، العاصمة الاستراتيجية لإقليم دارفور غرب السودان، داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار بعد إعلان الجيش السوداني انسحابه من المدينة.
وقال محمود علي يوسف، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، في بيان نُشر على منصة “إكس”، إنه يشعر بـ”قلق عميق إزاء تصاعد العنف والانتهاكات في الفاشر”، مدينًا ما وصفه بـ”عمليات القتل الممنهج والاستهداف العرقي للمدنيين”. وطالب بفتح ممرات إنسانية عاجلة لإيصال المساعدات إلى السكان المحاصرين، مؤكدًا أنه “لا يوجد حل عسكري للأزمة السودانية”، داعيًا جميع الأطراف إلى العودة للحوار السياسي.
تأتي تصريحات الاتحاد الإفريقي بعد أن أعلن الجيش السوداني، مساء الاثنين، انسحابه من المدينة، حيث ظهر قائده عبد الفتاح البرهان في بث تلفزيوني معلنًا “التراجع التكتيكي” متوعدًا بالانتقام و”القتال حتى تطهير الأرض”.

واتهمت قوات “التحالف المشترك” الموالية للجيش ميليشيا قوات الدعم السريع بارتكاب مجزرة جماعية عقب سيطرتها على المدينة، قائلة في بيان إن “أكثر من 2000 مدني أعزل، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، أُعدموا ميدانيًا خلال يومي 26 و27 أكتوبر”.
وأشار مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل إلى أنه توصل عبر صور الأقمار الصناعية إلى “أدلة متسقة مع وقوع عمليات قتل جماعي نفذتها قوات الدعم السريع بعد سيطرتها على الفاشر”.
ويُعد سقوط المدينة تطورًا مفصليًا في الحرب الدائرة منذ أبريل 2023، إذ أصبحت قوات الدعم السريع تسيطر الآن على جميع عواصم ولايات دارفور الخمس، ما يعزز إدارتها الموازية في الإقليم، بينما تقتصر سيطرة الجيش على مناطق محدودة في شمال وشرق ووسط السودان، ما يثير مخاوف من انقسام فعلي للبلاد.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لوكالة الأنباء الفرنسية إن ما يجري “تصعيد خطير في الصراع”، مضيفًا أن “مستوى المعاناة في السودان أصبح لا يُحتمل”.
كما حذر المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك من “تزايد خطر الانتهاكات ذات الطابع العرقي” في الفاشر، داعيًا إلى “تحرك عاجل لحماية المدنيين وضمان ممرات آمنة للنازحين”.
ونشرت منظمات محلية مقاطع مصوّرة تُظهر مقاتلًا من الدعم السريع وهو يطلق النار على مجموعة من المدنيين العُزّل من مسافة قريبة، بينما أظهرت لقطات أخرى عشرات الجثث على الأرض بجانب سيارات محترقة.

وأكدت نقابة الصحفيين السودانيين أن الاتصالات مقطوعة بالكامل في المدينة، بما في ذلك شبكات الأقمار الصناعية، معربة عن قلقها على سلامة الإعلاميين، وكشفت عن اعتقال الصحفي المستقل معمر إبراهيم على يد قوات الدعم السريع.
ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فقد فر أكثر من مليون شخص من الفاشر منذ اندلاع الحرب، بينما لا يزال 260 ألف مدني — نصفهم من الأطفال — محاصرين داخل المدينة دون مساعدات، حيث اضطر بعضهم إلى تناول علف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن مستشفى مدينة طويلة القريبة يشهد تدفقًا هائلًا للجرحى الفارين من الفاشر، حيث تم استقبال 130 مصابًا منذ الأحد، بينهم 15 في حالة حرجة.
وأضافت المنظمة أن النظام الصحي في دارفور “ينهار تحت وطأة الحرب”، في ظل غياب الدواء والطواقم الطبية، وارتفاع معدلات الإصابة بالكوليرا وسوء التغذية الحاد بين الأطفال.
ويرى مراقبون أن ما يجري في دارفور اليوم يعيد إلى الأذهان المجازر التي شهدها الإقليم قبل عقدين، في ظل عجز المجتمع الدولي عن التدخل، وتزايد التحذيرات من تكرار سيناريو الإبادة الجماعية.










