البرهان يعلن سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع ويتعهد بالثأر، في وقت تتهم فيه منظمات حقوقية الميليشيات بارتكاب جرائم تطهير عرقي وانهيار القطاع الصحي وسط صمت دولي وأزمة إنسانية خانقة
أكد رئيس مجلس السيادة وقائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، بسقوط مدينة الفاشر، عاصمة إقليم شمال دارفور، في يد قوات الدعم السريع، مؤكدًا أن الجيش “سينتقم لسكان المدينة” وأن الانسحاب كان “تحركًا تكتيكيًا ضمن خطة عسكرية أوسع”.
وفي خطاب تلفزيوني بث قبل قليل، قال البرهان إن “قرار إعادة تموضع القوات في مناطق أكثر أمانًا اتُخذ في إطار خطة ميدانية”، مشددًا على ثقته بأن “الجيش قادر على عكس مسار المعركة واستعادة الأراضي المفقودة”. وأضاف: “الحرب فُرضت على السودان، لكنها لن تكسر إرادة جيشه، فالمجرمون سيحاسَبون، والسودان سينهض من جديد بقوة شعبه ووحدة قواته”.
الفاشر تسقط بعد عام ونصف من الحصار
يأتي إعلان البرهان بعد أن أعلنت قوات الدعم السريع (RSF)، بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أمس، السيطرة الكاملة على مقرّ الفرقة السادسة مشاة في الفاشر بعد حصار طويل دام أكثر من عام ونصف، لترسخ بذلك قبضتها على آخر مدينة في دارفور كانت خارج سيطرتها.
واعترف والي إقليم دارفور، مني أركو مناوي، بسقوط المدينة، لكنه تعهّد بألا “يُترك مستقبل دارفور في يد الميليشيات المسلحة”، مطالبًا بفتح تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات والمجازر التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين.
منذ أبريل 2024، كانت الفاشر تتعرض لهجمات متكررة من الميليشيات التابعة لحميدتي، والتي تتهمها تقارير محلية ودولية باستخدام مرتزقة من جنوب السودان وكولومبيا، بعضهم استخدم طائرات مسيّرة ومدفعية ثقيلة في قصف المدينة بشكل يومي.
وفي الأيام الأخيرة، تقدّمت قوات الدعم السريع بسرعة نحو مقر الحكومة المحلية والمجمع الوزاري وعدة مؤسسات حكومية قريبة من القاعدة العسكرية، ما عجّل بانهيار الدفاعات وسقوط المدينة بالكامل.
اتهامات بارتكاب جرائم تطهير عرقي
اتهمت شبكة الأطباء السودانيين قوات الدعم السريع بارتكاب “مجزرة مروعة ذات طابع عرقي” ضد مدنيين عُزّل في الفاشر، ووصفت ما حدث بأنه “جريمة تطهير عرقي” مكتملة الأركان. وأوضحت الشبكة أن التقارير الميدانية تشير إلى وقوع عشرات الضحايا، مؤكدة أن الميليشيات نهبت المستشفيات والمرافق الطبية، ما أدى إلى انهيار شبه كامل للقطاع الصحي في المدينة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
كما أعلن تنسيق لجان المقاومة في الفاشر أن المدنيين الفارين من المدينة تعرضوا لأبشع أنواع العنف والاضطهاد، مشيرين إلى أن “الصمت أو الحياد تجاه هذه الجرائم يمثل تواطؤًا مع القتلة”. وأظهرت منصات تابعة لقوات الدعم السريع مقاطع مصورة لعشرات المدنيين أثناء اعتقالهم وهم يحاولون الهرب.
الأمم المتحدة: الوضع الإنساني كارثي ويستدعي وقفًا فوريًا لإطلاق النار
من جهتها، أعربت الأمم المتحدة عن قلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بوقوع ضحايا مدنيين ونزوح قسري جماعي من المدينة، مطالبةً بـ وقف فوري لإطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. وأكدت المنظمة أن “الوكالات الإنسانية تمتلك مخزونات من الإمدادات الحيوية، لكن الهجمات المكثفة جعلت من المستحيل إيصال المساعدات إلى المحتاجين”.
يأتي سقوط الفاشر ليكشف حجم الانهيار العسكري والسياسي في السودان، ويؤكد أن الحرب بين الجيش والدعم السريع دخلت مرحلة اللاعودة. فبينما يصف البرهان الانسحاب بأنه “تكتيكي”، يرى مراقبون أن ما جرى في الفاشر يمثل تحولًا استراتيجيًا خطيرًا يعيد رسم خريطة السيطرة في دارفور، وربما يفتح الباب أمام مزيد من المجازر والكارث الإنسانية في غياب موقف دولي حاسم.










