أعلنت اللجنة العليا للاستنفار في السودان التعبئة العامة في جميع الولايات، وبدأت تجهيز معسكرات التدريب والتسليح في كل ربوع البلاد، عقب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور.
وجاء هذا الإعلان بالتزامن مع تبرير قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لقرار انسحاب القوات من الفاشر، مؤكدا أنه تم الاتفاق على الانسحاب لتجنب الدمار والقتل الممنهج الذي شهدته المدينة. وأضاف البرهان أن الجيش سيحاسب جميع من ارتكب انتهاكات ضد المدنيين، مؤكدا استمرار المعركة لاستعادة السيطرة على المناطق المحتلة.
وتمثل دعوة اللجنة العليا للاستنفار تصعيدا رسميا لمبادرة المقاومة الشعبية التي بدأت منذ يونيو 2023 بمباركة الجيش، تحت شعار «معركة الكرامة الوطنية»، لدعم الجيش وحماية المدنيين وممتلكاتهم. وأكدت اللجنة في بيانها أن المعركة دخلت مرحلة الحسم، داعية الشباب والرجال والنساء للانخراط في صفوف الاستنفار للدفاع عن الوطن وصون سيادته.
وتعد الفاشر المعقل الأخير للجيش في دارفور بعد سيطرة قوات الدعم السريع على أربع من ولايات الإقليم الخمس، وتتمتع المدينة بأهمية استراتيجية كبيرة كونها مركزا تجاريا وعقدة وصل بين شمال ووسط وغرب دارفور، بالإضافة إلى احتضانها لمطار ومخازن أسلحة رئيسية، ما يجعل السيطرة عليها حدثا محوريا في الصراع.
وعلى الصعيد الإنساني، تواجه الفاشر أزمة خانقة مع موجات نزوح كبيرة، ونقص حاد في الغذاء والمياه والإمدادات الطبية، وسط ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة.
ويرى خبراء عسكريون أن سقوط المدينة أعطى قوات الدعم السريع عمقا استراتيجيا غربي البلاد، لكنه يمثل ضربة معنوية للقوات المشتركة من الحركات الدارفورية المسلحة، بينما يحتفظ الجيش بقدرات تمكنه من استعادة زمام المبادرة، مستفيدا من تفوقه الجوي وتماسكه في شمال السودان.
وأكد اللواء المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب أن قوات الدعم السريع تعتمد على الحصار كاستراتيجية لإضعاف الفاشر، بينما يرى خبراء آخرون أن انسحاب الجيش خطوة تكتيكية مؤقتة لإعادة التنظيم واستعادة المبادرة في الوقت المناسب، ما يعكس مرونة القيادة العسكرية السودانية وقدرتها على إدارة القتال ضمن بيئة معقدة.
في غضون ذلك، يبقى الوضع الإنساني حرجا للغاية، وسط تحذيرات من تصاعد أعمال العنف ذات الطابع القبلي والانتقامي، وهو ما يضع الجيش وقوات الدعم السريع أمام مسؤوليات كبيرة لحماية المدنيين والمرافق الحيوية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وسط هذه التطورات، تتجه أنظار السودان نحو استمرار المعارك في دارفور، حيث تبقى قدرة الجيش على استعادة السيطرة وتحقيق استقرار الأوضاع محور اهتمام كل الأطراف المحلية والدولية.









