لقاء ترامب وشي قد ينهي شهورًا من الفوضى الاقتصادية العالمية
قضايا الرسوم الجمركية والمعادن النادرة تتصدر جدول أعمال الزعيمين الأمريكي والصيني، وسط احتمالات لإعادة ضبط العلاقات
قبل اللقاء المرتقب يوم الخميس بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ — وهو الأول منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض — يعمل مسؤولو البلدين منذ أيام على وضع الخطوط العريضة لاتفاق تجاري محتمل بين واشنطن وبكين، من شأنه أن يُنهي أشهرًا من الفوضى الاقتصادية التي اجتاحت العالم بسبب الحرب التجارية بين القوتين العظميين.
ولم يلتقِ الزعيمان وجهًا لوجه منذ عام 2019. ومنذ ذلك الحين، تسببت الحرب في أوكرانيا، وازدياد القلق الأمريكي من التقدم التكنولوجي الصيني، إضافة إلى القضايا المزمنة المتعلقة بعدم توازن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، في توتر العلاقات بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.
ويُعد اجتماع يوم الخميس، الذي سيُعقد على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في سيول، فرصة لإعادة ضبط العلاقات بين البلدين.
وقال ترامب يوم الأربعاء للصحفيين على متن طائرة الرئاسة “إير فورس وان”:
“أعتقد أننا سنعقد اجتماعًا رائعًا مع الرئيس شي، وسنحل الكثير من المشكلات.”
وأشار الرئيس الأمريكي أيضًا إلى أن موضوع تايوان الحساس قد لا يُطرح للنقاش:
“لست متأكدًا أننا سنتحدث عن تايوان، ربما يريد هو أن يسأل عنها. ليس هناك الكثير لنتحدث عنه. تايوان هي تايوان.”
تايوان.. الملف الذي لا يغيب عن الطاولة
تعتبر بكين أن تايوان إقليم تابع لها، وتواصل حملة متعددة الجوانب لإجبار حكومتها على قبول ما تسميه “إعادة التوحيد”.
وقال مسؤولون صينيون الأربعاء إن الصين “لن تستبعد أبدًا استخدام القوة العسكرية” لضم الجزيرة إذا لزم الأمر. كما نشرت وسائل الإعلام الرسمية هذا الأسبوع سلسلة افتتاحيات توضح الخطط الصينية لإدارة تايوان بعد “التوحيد”.
وتُعد الولايات المتحدة الداعم الأبرز لتايوان في مواجهة تهديدات بكين، إلا أن مواقف ترامب المتقلبة بشأن هذا الدعم دفعت أعضاء في إدارته إلى طمأنة تايبيه بأن واشنطن لن تتخلى عنها.
المعادن النادرة تتصدر جدول الأعمال
من أبرز الملفات المطروحة في اللقاء مسألة المعادن النادرة.
فاحتكار الصين لإمدادات هذه المعادن الحيوية — التي تدخل في صناعات السيارات والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية — يمنحها ورقة ضغط قوية في المفاوضات مع واشنطن.
تسيطر الصين على نحو 70% من عمليات تعدين المعادن النادرة في العالم، وأكثر من 90% من قدرات معالجتها.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، فرضت بكين قيودًا جديدة على تصدير هذه المعادن والتقنيات المرتبطة بها، بدعوى حماية الأمن القومي.
ولاحظ محللون أن هذا القرار جاء بعد فترة وجيزة من إعلان الولايات المتحدة توسيع قيودها على تصدير تقنيات أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين.
وخلال محادثات تمهيدية في كوالالمبور نهاية الأسبوع الماضي، بدا أن بكين وافقت على تأجيل تطبيق قيود التصدير لمدة عام، مقابل تجميد واشنطن قيودها الجديدة على تصدير الرقائق الإلكترونية.
وإذا ما تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق المتبادل، فسيُعدّ انتصارًا اقتصاديًا للطرفين — رغم اعتراض صقور واشنطن الذين يعتبرون تخفيف القيود التكنولوجية خطرًا على الأمن القومي الأمريكي على المدى الطويل.
شراكة أمريكية – يابانية لتقليل الاعتماد على الصين
رغم ذلك، يبدو أن ترامب يسعى لتقليل الاعتماد الأمريكي على الصين في هذا القطاع الحساس.
ففي الثلاثاء الماضي، وقّع مع رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة ساناي تاكايتشي اتفاقًا لتأمين عمليات تعدين ومعالجة المعادن النادرة والمعادن الحيوية الأخرى.
وجاء في بيان للبيت الأبيض أن البلدين سيبحثان “ترتيبًا تكامليًا لتخزين احتياطي استراتيجي من هذه المعادن”.
تُعد اليابان واحدة من الدول القليلة التي نجحت في تقليص اعتمادها على الصين في مجال المعادن النادرة — إذ انخفضت نسبة اعتمادها من 90% عام 2010 إلى 60% اليوم.
وتعود هذه السياسة إلى حادثة عام 2010، حين اصطدمت سفن صيد صينية ويابانية في بحر الصين الشرقي، ما أثار مخاوف من أن بكين قد توقف صادرات المعادن النادرة إلى طوكيو، مما تسبب حينها في ذعر بقطاع الصناعة الياباني.
الصين تعزز شراكاتها مع دول آسيان
في المقابل، تسعى الصين أيضًا إلى تقليص اعتمادها على السوق الأمريكية.
فقد وقّعت الثلاثاء اتفاقًا لتحديث اتفاقية التجارة الحرة مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وهي أكبر شريك تجاري لبكين.
بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وآسيان العام الماضي 771 مليار دولار، مقابل 659 مليار دولار فقط في التجارة بين الصين والولايات المتحدة.
شبح الحرب التجارية يلوح من جديد
تُخيّم على المفاوضات مخاطر عودة الحرب التجارية، إذ شهد شهر أبريل الماضي تبادل فرض رسوم جمركية بلغت مستويات أشبه بحصار تجاري شامل بين القوتين الاقتصاديتين.
وفي الأسابيع الأخيرة، هدد ترامب بفرض رسوم تصل إلى 100% على السلع الصينية اعتبارًا من نوفمبر، ردًا على القيود الصينية على المعادن النادرة — لكن يبدو أن هذه التهديدات ستُجمّد مؤقتًا.
ومع ذلك، يبقى مصير الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها الطرفان في بداية الحرب التجارية غير محسوم، إذ تم تعليقها حتى 10 نوفمبر لإتاحة الفرصة للتوصل إلى اتفاق نهائي.
حتى 25 سبتمبر، بلغ متوسط الرسوم الصينية على الصادرات الأمريكية 32.6%، مقابل 57.6% للرسوم الأمريكية على الصادرات الصينية، وفقًا لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي. وفي أبريل، تجاوزت الرسوم على الجانبين 130%.
وقالت بوني غلاسر، مديرة برنامج منطقة الهندو-باسيفيك في مؤسسة الصندوق الألماني مارشال بالولايات المتحدة:
“كلا الزعيمين يعتقدان أنهما في موقع قوي، لكنهما في الوقت نفسه لا يريدان العودة إلى التهديدات السابقة بالرسوم المفرطة.”
ملفات أخرى: الفنتانيل و”تيك توك”
من المتوقع أن يتطرق الزعيمان أيضًا إلى ملف التحكم في إنتاج وتصدير مادة الفنتانيل — أحد أخطر المخدرات التي تؤرق واشنطن — إضافة إلى الصفقة النهائية المتعلقة بتطبيق “تيك توك” التي تم التوصل إليها مبدئيًا في مدريد.
لكن، بعيدًا عن تفاصيل الاتفاقات، يُعتبر الإنجاز الأكبر لهذا اللقاء هو إظهار إمكانية العودة إلى محادثات بنّاءة بين أقوى رجلين في العالم.
فترامب — رغم معارضة الصقور داخل إدارته — يتبنى لهجة أكثر تصالحية تجاه شي، بينما يبدو الأخير واثقًا من قدرته على إدارة العلاقة مع الرئيس الأمريكي في هذه المرحلة الحساسة.
وقال فنغ تشوتشنغ، الشريك في مؤسسة “هوتونغ للأبحاث” في بكين وشنغهاي:
“هناك إدراك متزايد في الولايات المتحدة بأن التعايش المتبادل قد يكون مفيدًا للطرفين، ومن هذا المنطلق فإن النموذج الأمريكي تجاه الصين بدأ يتغير تدريجيًا.”










