السعودية تسجّل عجزًا قدره 23.6 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2025 نتيجة تراجع الإيرادات النفطية بنسبة 21٪، رغم ارتفاع الإيرادات غير النفطية ونمو الإنفاق على المشروعات التنموية ضمن “رؤية 2030”.
كشفت وزارة المالية السعودية في تقرير الأداء الفصلي للميزانية عن تسجيل عجز قدره 88.5 مليار ريال (23.6 مليار دولار) خلال الربع الثالث من عام 2025، في وقتٍ تواجه فيه المملكة تراجعًا حادًا في عائدات النفط، رغم استمرار نمو الإيرادات غير النفطية.
ووفقًا للتقرير، بلغت الإيرادات الإجمالية للمملكة 269.9 مليار ريال، بانخفاض نسبته 13٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
في المقابل، ارتفع إجمالي الإنفاق الحكومي إلى 358.4 مليار ريال، أي بزيادة 6٪ على أساس سنوي، نتيجة ارتفاع المصروفات الرأسمالية والالتزامات التشغيلية الحكومية.

تراجع حاد في عائدات النفط
سجلت الإيرادات النفطية 150.8 مليار ريال خلال الربع الثالث، بتراجع كبير بلغت نسبته 21٪ عن الربع نفسه من عام 2024.
ويعكس هذا التراجع تأثير انخفاض أسعار النفط العالمية التي تراوحت بين 66 و68 دولارًا للبرميل في الأشهر الأخيرة، مقارنة بمتوسط 77 دولارًا في النصف الأول من العام، وفق تقارير وكالة “بلومبرغ الشرق”.
وتظل السعودية، وهي أكبر مُصدر للنفط في العالم والقائد الفعلي لتحالف أوبك+، معتمدة على الإيرادات النفطية كمصدر رئيسي للدخل العام، رغم محاولاتها المتواصلة لتقليل هذا الاعتماد ضمن “رؤية 2030”.
نمو متواضع في الإيرادات غير النفطية
أظهر التقرير ارتفاع الإيرادات غير النفطية بنسبة 1٪ على أساس سنوي لتبلغ 119.1 مليار ريال (31.7 مليار دولار) خلال الربع الثالث، مدعومة بزيادة العوائد من الضرائب على السلع والخدمات ورسوم الأعمال الحكومية.
وعلى مدار الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، بلغت الإيرادات غير النفطية 382.7 مليار ريال، بزيادة قدرها 3٪ عن الفترة ذاتها من العام الماضي، ما يعكس استمرار جهود الحكومة في تنويع مصادر دخلها بعيدًا عن النفط، وفق مستهدفات “رؤية 2030”.
زيادة في الإنفاق الرأسمالي
أشار التقرير إلى أن الإنفاق الرأسمالي ارتفع بنسبة 4٪ ليصل إلى 49.9 مليار ريال في الربع الثالث، وهو ما يعكس التزام الحكومة بالمضي قدمًا في تنفيذ المشروعات التنموية والبنية التحتية، رغم الضغوط المالية.
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذا النهج يعكس رغبة المملكة في الحفاظ على زخم المشاريع الكبرى مثل “نيوم” و”ذا لاين” و”القدية”، حتى مع تراجع إيرادات النفط.
تمويل العجز بالاقتراض
وبحسب بيانات “المركز الوطني لإدارة الدين”، تسعى المملكة إلى تمويل العجز من خلال مزيج من أدوات الدين المحلية والدولية، مع زيادة ملحوظة في الإصدارات الخاصة غير المعلنة خلال النصف الأول من العام، ما أثار تساؤلات في الأوساط الاقتصادية حول شفافية هذه العمليات.
وكان تقرير سابق لمعهد دول الخليج العربي في واشنطن (AGSIW) قد حذر من الاعتماد المتزايد على التمويل الخاص غير المعلن، معتبرًا أنه يقلل من وضوح الوضع المالي الفعلي للدولة أمام المستثمرين الدوليين.
نظرة مستقبلية: 2026 عام اختبار للسياسة المالية
من المنتظر أن تُصدر وزارة المالية السعودية بيان ما قبل الميزانية لعام 2026 في أكتوبر المقبل، وسط توقعات بأن يتراوح العجز الكلي في ميزانية العام الجاري بين 180 و190 مليار ريال (حوالي 50 مليار دولار).
ويرجّح محللون أن تظل أسعار النفط المحدد الأهم لمستقبل المالية العامة في المملكة، في ظلّ مفارقة واضحة بين رؤية تنموية طموحة وواقع أسواق نفط متقلبة.
رغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى تقدمٍ بطيء في تنويع الإيرادات، إلا أن العجز المتكرر يؤكد أن الاقتصاد السعودي لا يزال رهينة النفط.
بين إصلاحات “رؤية 2030” والتقلبات في سوق الطاقة العالمية، تمضي السعودية على حبل مشدود بين الإنفاق الاستراتيجي والانضباط المالي، في معركة لا تقل صعوبة عن صعود أسعار النفط نفسها.










