بعد أكثر من ست سنوات من التوترات التجارية والعقوبات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين، يجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ اليوم في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، في لقاء يوصف بأنه لحظة فاصلة في مسار الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.
ويُنظر إلى الاجتماع الثنائي على أنه اختبار حقيقي لإمكانية خفض التصعيد بين البلدين بعد أعوام من التعريفات الجمركية المرتفعة، وقيود التكنولوجيا، والسباق نحو السيطرة على سلاسل التوريد العالمية.
محور المباحثات: هدنة أم مواجهة جديدة؟
تركّز المحادثات على إمكانية تمديد الهدنة الجمركية الحالية التي تم التوصل إليها في مايو الماضي، إلى جانب بحث رفع بعض القيود على المعادن النادرة، وفتح مجالات جديدة للتجارة والاستثمار المتبادل.
كما يناقش الطرفان القيود المفروضة على تصدير الرقائق الإلكترونية والتكنولوجيا المتقدمة، وهي أحد أبرز ملفات الصراع منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام.
مصادر قريبة من المفاوضات أكدت أن الهدف الفعلي للطرفين هو تجنب اندلاع “حرب تجارية جديدة”، خاصة مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتراجع ثقة الأسواق المالية.
خلفية الصراع: سباق بلا نهاية
منذ عودة ترامب إلى السلطة في يناير 2025، فرضت إدارته تعريفات جمركية غير مسبوقة بلغت 145% على الواردات الصينية، ردّت عليها بكين بفرض تعريفات بنسبة 125% على السلع الأمريكية.
أدّت هذه الإجراءات إلى اضطراب كبير في الأسواق المالية، وهبوط مؤشرات كبرى في آسيا وأوروبا، وسط مخاوف من ركود عالمي.
في مايو الماضي، اتفقت واشنطن وبكين على هدنة مؤقتة خفّضت بموجبها الولايات المتحدة الرسوم إلى 50% فقط، مقابل 10% على الصادرات الأمريكية إلى الصين، بما في ذلك الرسوم على المواد الكيميائية والمستحضرات الدوائية.
“فخ ثوسيديدس” يعود من جديد
يرى محللون دوليون أن المواجهة بين واشنطن وبكين تجاوزت الخلافات التجارية إلى صراع استراتيجي على النفوذ العالمي.
فوفقًا لمبدأ “فخ ثوسيديدس”، الذي يشير إلى حتمية الصراع بين قوة مهيمنة وأخرى صاعدة، يُعتقد أن الولايات المتحدة تسعى لاحتواء الصين ومنعها من قيادة الاقتصاد العالمي، بينما تتمسك بكين بحقها في التوسع والابتكار التكنولوجي كقوة عظمى متكاملة.
ويقول المراقبون إن أقصى ما يمكن أن ينتج عن اجتماع اليوم هو تسوية مؤقتة أو اتفاق جزئي لخفض التصعيد، دون معالجة الأسباب الجذرية للتنافس الاستراتيجي.
انعكاسات على الاقتصاد العالمي
يُتوقع أن تؤثر نتائج الاجتماع بشكل مباشر على الأسواق المالية العالمية وأسعار المعادن والرقائق والإمدادات الصناعية.
وقد شهدت أسواق آسيا ارتفاعًا طفيفًا صباح اليوم مع تفاؤل المستثمرين باحتمال تمديد الهدنة التجارية.
خبراء الاقتصاد يرون أن مجرد استمرار الحوار بين واشنطن وبكين سيُسهم في تخفيف حالة عدم اليقين التي تُخيم على التجارة الدولية منذ أكثر من ست سنوات، حتى إن لم يتحقق اتفاق شامل.
لقاء ترامب وشي جين بينغ في بوسان يمثل أهم لحظة دبلوماسية في العام 2025، ليس فقط لمستقبل العلاقات الثنائية، بل أيضًا لاتجاه الاقتصاد العالمي بأكمله.
وفي حين يأمل العالم في “وقف إطلاق نار اقتصادي”، تبقى الحقيقة أن التنافس بين القوتين سيستمر على المدى الطويل، مهما كانت مخرجات القمة.










