تحقيقات تكشف وصول أسلحة بريطانية عبر الإمارات إلى قوات الدعم السريع
الفاشر في أيدي قوات الدعم السريع، وسط اتهامات بجرائم حرب وإبادة جماعية، وتقارير تكشف تورط معدات عسكرية إماراتية في النزاع. صمت دولي يثير الغضب وأسئلة حول من يمول آلة القتل في دارفور.
في مشهد يعيد إلى الأذهان أبشع الجرائم في التاريخ الحديث – من رواندا إلى ليبيريا ودارفور – تتكشف في مدينة الفاشر مأساة إنسانية مروعة، كان يمكن للعالم أن يمنعها.
منذ أن سقطت المدينة في أيدي قوات الدعم السريع (RSF) الأسبوع الماضي، ترددت أنباء عن مجازر ممنهجة ضد المدنيين، وعمليات قتل جماعي داخل المستشفيات، وتصفيات عرقية صادمة في وضح النهار، يصورها الجناة بأنفسهم وينشرونها على الإنترنت.

تكرار لنمط الإبادة
تقارير المنظمات الحقوقية والصحفية تشير إلى مئات القتلى بين المرضى والأطباء داخل المستشفيات، وإلى عمليات إعدام ميداني لرجال عُزّل، ونهب للمنازل، وابتزاز للنازحين الهاربين.
هذا النمط ليس جديدًا:
• في الجنينة عام 2023، قتلت قوات الدعم السريع وحلفاؤها ما يصل إلى 15 ألف مدني، معظمهم من قبيلة المساليت.
• في مخيم زمزم للنازحين في أبريل الماضي، أُبيد أكثر من 1500 شخص خلال 72 ساعة.
الناجون من تلك المذابح نزحوا إلى الفاشر، التي أصبحت الآن هدفًا جديدًا للدمار.
منذ حصار المدينة قبل 18 شهرًا، حذّر المراقبون من “حمام دم” وشيك. ورغم كل التحذيرات، لم يتحرك المجتمع الدولي.

صمت عالمي
حرب السودان التي اندلعت بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في أبريل 2023، حوّلت البلاد إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم:
أكثر من 13 مليون نازح، نصف السكان يحتاجون إلى المساعدات الغذائية، وجرائم حرب موثقة ارتكبها الطرفان.
في يناير الماضي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في دارفور. لكن لم يتغير شيء.
الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر لوقف إطلاق النار في أكتوبر، بقي حبرًا على ورق، بينما كان حميدتي يُحكم قبضته على الفاشر.
“كنا نعرف أن هذا سيحدث، لم يكن مفاجئًا لأحد”، تقول كيت فيرغسون، مديرة منظمة Protection Approaches البريطانية، مضيفة أن كل زعيم عالمي كان على علم بالخطر الوشيك.
مجازر رواندا وليبيريا
تكرار المجازر على أساس عرقي يذكّر العالم بإبادة رواندا عام 1994، حين قُتل أكثر من 800 ألف شخص خلال مئة يوم.
المحلل أليكس دي وال من جامعة تافتس يرى أن قوات الدعم السريع “تمارس النمط نفسه من القتل الممنهج منذ أكثر من 20 عامًا”، مشيرًا إلى أن أول مجزرة وثقت لحميدتي نفسه كانت في بلدة عدوة عام 2004.
كما يرى خبراء تشابهًا بين السودان وليبيريا، حيث غذّت ثروات الذهب والماس الصراعات والجرائم الوحشية.
ورغم مرور عقود، لم يتحقق سوى عدالة محدودة: فبينما أُدين الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور بعد 20 عامًا، لا أحد يتوقع أن يسلّم قادة الحرب السودانيون أنفسهم.

حرب نفسية وتعتيم إعلامي
في الفاشر، كما في المجازر السابقة، كان القتلة هم أنفسهم من وثّقوا جرائمهم.
فيديوهات انتشرت عبر الإنترنت تُظهر مقاتلين يطلقون النار على مدنيين داخل مبانٍ جامعية ومستشفيات، بينما تظهر صور الأقمار الصناعية من مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل دلائل على عمليات قتل جماعي ودماء متناثرة داخل مستشفيات المدينة.
الناجون يتحدثون عن إعدامات للجرحى داخل أسرتهم. تقول الممرضة نوال خليل: “قتلوا ستة جرحى أمامي، بينهم مدنيون”.
ورغم نفي حميدتي في خطاب مصوّر مسؤوليته عن “أي انتهاك”، فإن التعتيم الكامل على الاتصالات يجعل من الصعب معرفة مصير أكثر من 260 ألف شخص بقوا في المدينة بعد سقوطها.
خطر جديد في الأفق
مع استمرار الانقطاع التام عن العالم، تتصاعد المخاوف من أن تكون مدينة الأبيض في شمال كردفان الهدف التالي للدعم السريع، بعدما فرّ منها أكثر من 35 ألف شخص خلال أسبوع.
صمت العالم… ومجزرة معلنة
ما يحدث في الفاشر لم يكن مفاجئًا، بل كان متوقعًا بكل تفاصيله.
ومع كل مجزرة جديدة، يبدو أن العالم يكتفي بالمشاهدة — كما فعل في دارفور، وكما فعل في رواندا من قبل.
لكن هذه المرة، لا يمكن لأحد أن يقول إنه “لم يكن يعلم”.
خبراء: وقف مجازر السودان بيد الإمارات
يرى خبراء أن الطريقة الوحيدة لوقف آلة القتل التابعة لقوات الدعم السريع هي الضغط المباشر على دولة الإمارات العربية المتحدة، المتهمة بتزويد هذه القوات بالسلاح، إلى جانب السعودية ومصر اللتين تدعمان الجيش السوداني.
صحيفة ذا غارديان كشفت الثلاثاء أن معدات عسكرية بريطانية صُدِّرَت إلى الإمارات تم العثور عليها في مواقع قتال داخل السودان، بحسب وثائق اطّلعت عليها مجلس الأمن الدولي.
ورغم ذلك، نفت الإمارات مرارًا تقديم أي دعم عسكري لقوات الدعم السريع.
“لو كانت الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي جادّين حقًا، لما اكتفوا ببيانات إدانة فضفاضة”، تقول كايتلين هوارث، مديرة تحليل النزاعات في مختبر جامعة ييل للأبحاث الإنسانية.
“كان يجب فرض عقوبات مؤلمة وسريعة وفعالة على الإمارات وعلى أي جهة تمدّ أطراف الصراع بالسلاح.”
الخبراء يؤكدون أن غياب الإرادة السياسية الدولية، وازدواجية المعايير في التعامل مع الحروب في إفريقيا، سمحا بحدوث الكارثة في الفاشر وغيرها من المدن السودانية، وأن المسؤولية الأخلاقية اليوم تقع على العواصم التي تملك نفوذًا على أطراف النزاع لكنها تختار الصمت.










