أطلقت دول القرن الأفريقي الشراكة البحرية HASMP لتعزيز الأمن البحري، تسهيل التجارة الإقليمية، وحماية التراث الثقافي والبيئي، مع استفادة الدول غير الساحلية مثل إثيوبيا وجنوب السودان من ممرات آمنة للوصول إلى الأسواق العالمية
أهمية المنطقة البحرية للقرن الأفريقي
تحتل دول القرن الأفريقي واحدة من أكثر المناطق البحرية أهمية استراتيجية في العالم. تقع على امتداد مضيق باب المندب، وخليج عدن، والبحر الصومالي، وتعمل كمسار حيوي يربط المحيط الهندي بالبحر الأحمر، وصولاً إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس.
لا يقتصر المجال البحري للمنطقة على تسهيل جزء كبير من التجارة العالمية فحسب، بل يمتلك أيضًا إرثًا ثقافيًا وبيئيًا غنيًا. وبالنظر إلى الإمكانات والتحديات التي تحيط بهذه المنطقة، يبرز مفهوم الشراكة البحرية لدول القرن الأفريقي (HASMP) كمبادرة متعددة الأطراف تركز على مصالح المنطقة، تهدف إلى تأمين التجارة البحرية، وتعزيز الأمن الإقليمي، وحماية الموارد الثقافية والبيئية.
ماذا تهدف الشراكة البحرية HASMP؟
تسعى الشراكة إلى توحيد الدول الساحلية ضمن أجندة بحرية مشتركة، مع ضمان استفادة الدول غير الساحلية من ممرات التجارة الآمنة وتحسين الوصول إلى الموانئ التجارية.
وتركز المبادرة على:
• إنشاء دوريات بحرية مشتركة وأنظمة تبادل المعلومات للحد من القرصنة والتهريب.
• توحيد إجراءات إنفاذ القانون البحري في الموانئ والمياه الإقليمية.
• تحسين عمليات الموانئ وتعزيز الربط اللوجستي لتسهيل حركة البضائع وتقليل التكاليف.
• حماية التراث الثقافي والبيئي للمنطقة، بما يشمل المواقع الأثرية تحت الماء والموانئ القديمة والمصايد البحرية
الدول المشاركة ودورها
تضم دول القرن الأفريقي مزيجًا من الدول الساحلية وغير الساحلية ذات مصالح اقتصادية وأمنية مترابطة.
• الدول الساحلية: جيبوتي، إريتريا، الصومال، السودان، تقود العمليات البحرية وإدارة الموانئ وتطوير السياسات.
• الدول غير الساحلية: إثيوبيا وجنوب السودان، تركز على تسهيل التجارة والتنسيق مع الموانئ لضمان وصول موثوق للأسواق العالمية.
• أمانة بحرية للقرن الأفريقي: جهة مركزية لتنسيق السياسات، إجراء البحوث، والإشراف على مبادرات الأمن البحري.
التحديات القائمة
تواجه المنطقة تهديدات مستمرة تشمل القرصنة البحرية، والاتجار غير المشروع، والصيد غير القانوني، والتهريب، وتجاوز الدول الأخرى حدود المياه الإقليمية، ما يهدد الأمن الإقليمي والتجارة العالمية.
ويُعزى جزء كبير من هذه المخاطر إلى غياب إدارة بحرية منسقة، مما سمح لهذه التهديدات بالانتشار، وحتى بعض الدول غير الساحلية مثل إثيوبيا حاولت الاستفادة جزئيًا من المجال البحري. كما أن الإمكانات التجارية للقرن الأفريقي هائلة، لكن قصور كفاءة الموانئ وتجزئة ممرات النقل يعيق التكامل الاقتصادي الإقليمي.
وبعيدًا عن التجارة والأمن، تتميز المنطقة بإرث بحري ثقافي غني، يشمل الموانئ القديمة وحطام السفن التاريخي، والتي ما تزال عرضة للإهمال والاستغلال غير القانوني.
أهداف الشراكة
تهدف HASMP إلى إنشاء منطقة بحرية آمنة، مزدهرة، وغنية ثقافيًا. ستتعاون الدول الساحلية لتأسيس دوريات بحرية مشتركة، وآليات لتبادل المعلومات، وأنظمة إنذار مبكر لمكافحة القرصنة والتهريب والإرهاب البحري، فضلاً عن صد أي تدخلات بحرية غير مرغوبة من دول أخرى.
كما ستقوم الشراكة بتوحيد إجراءات إنفاذ القانون البحري في الموانئ والمياه الإقليمية، لضمان استجابة منسقة للتهديدات الأمنية.
وستعمل HASMP على تحسين عمليات الموانئ، وتعزيز الربط اللوجستي، وتطوير شبكات الشحن والنقل البحري بكفاءة أعلى.
من خلال تأمين الممرات البحرية وتحسين كفاءة الموانئ، ستستفيد الدول الساحلية وغير الساحلية من خفض تكاليف التجارة وتسريع مرور البضائع. كما ستشجع الاستثمارات في البنية التحتية والمنصات الرقمية والمناطق الحرة على نمو التجارة الإقليمية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
حماية التراث والبيئة
تعترف HASMP بأهمية الموارد الثقافية والبيئية للمنطقة، ولذلك ستنفذ برامج مشتركة لحماية المواقع الأثرية تحت الماء، والموانئ القديمة، والمناطق الساحلية ذات القيمة الثقافية.
وسيتم التركيز على الإدارة المستدامة لمصايد الأسماك والحفاظ على التنوع البيولوجي البحري، لضمان أن التنمية الاقتصادية لا تؤثر على الموارد البيئية والثقافية.
الهيكل التشغيلي
ستعتمد HASMP هيكلًا تشغيليًا مركزه القرن الأفريقي، مع توازن بين المسؤولية والشمولية. ستقود الدول الساحلية – جيبوتي، إريتريا، الصومال، والسودان – العمليات البحرية، والدوريات، وإدارة الموانئ، وتطوير السياسات، نظراً لقدرتها على الوصول البحري والبنية التحتية اللازمة.
أما الدول غير الساحلية مثل إثيوبيا وجنوب السودان، فستشارك كمستفيدين، مع التركيز على تسهيل التجارة، والتخطيط اللوجستي، والتنسيق مع الموانئ الساحلية لضمان وصول موثوق للأسواق العالمية.
وسوف تعمل أمانة بحرية للقرن الأفريقي كجهة مركزية لتنسيق السياسات، وإجراء البحوث، والإشراف على مبادرات الأمن البحري، وتنظيم القمم الإقليمية بانتظام. يضمن هذا الهيكل تركيز HASMP على مصالح المنطقة، مع وضوح المسؤوليات بين الدول الساحلية وغير الساحلية.
الفوائد الاستراتيجية
تمتد أهمية HASMP الاستراتيجية إلى ما وراء القرن الأفريقي، حيث ستساهم الدوريات البحرية الموحدة وإنفاذ القانون البحري في الحد من القرصنة، والصيد غير القانوني، والتهريب، وتعزيز أمن الشحن الدولي والإقليمي.
كما ستتيح المياه المؤمَّنة للقرن الأفريقي فرض سيادة الدول على المجال البحري.
تحسين كفاءة الموانئ وتأمين الممرات البحرية وتنسيق سياسات التجارة سيخفض تكاليف النقل، ويجذب الاستثمارات، ويعزز التجارة الداخلية، ما يتيح للدول غير الساحلية وصولًا متوقعًا للبحر ودمجها في سلاسل التوريد العالمية.
ستوفر HASMP أيضًا فرصًا للحفاظ على المواقع البحرية التاريخية، وتعزيز السياحة الثقافية، وتطبيق ممارسات صيد مستدامة وحماية بيئية، مما يعزز الهوية الإقليمية ويحافظ على الموارد البيئية والثقافية.
التحديات المستقبلية المحتملة
رغم الإمكانات، تواجه HASMP تحديات عدة:
• تباين المصالح الوطنية والتوترات التاريخية بين الأعضاء، ما قد يعيق بناء التوافق واتخاذ القرارات.
• التهديدات غير المبررة من الدول غير الساحلية التي قد تخل بتوازن المنطقة.
• الحاجة لاستثمارات كبيرة في القدرات البحرية والبنية التحتية للموانئ والتقنيات الحديثة، مما قد يستلزم شراكات مع منظمات دولية أو مستثمرين خاصين.
• النزاعات الإقليمية المستمرة، وتغير المناخ، وارتفاع مستويات البحار، والصيد غير القانوني، التي تمثل تحديات طويلة المدى وتتطلب إدارة استباقية.
تمثل الشراكة البحرية لدول القرن الأفريقي رؤية تحويلية للمنطقة. من خلال التركيز على الأمن البحري، وتسهيل التجارة، وحماية التراث البيئي والثقافي، يمكن لـ HASMP تحقيق الإمكانات الاقتصادية للقرن الأفريقي، وتأمين طرق التجارة العالمية، والحفاظ على التراث البحري الغني.
يضمن التصميم الذي يركز على مصالح المنطقة قيادة الدول الساحلية مع استفادة الدول غير الساحلية، وضوح العمليات، والملكية الإقليمية، والتركيز الاستراتيجي.
رغم التحديات، فإن المكاسب المحتملة – من مياه آمنة وموانئ مزدهرة وممرات تجارية متكاملة، إلى الحفاظ على التراث – تجعل HASMP نموذجًا للتعاون الإقليمي في إفريقيا، وضرورة استراتيجية مع استمرار توسع التجارة العالمية وأهمية الأمن البحري.










