أصدر الشيخ الدكتور محمد خير الشعال، العالم الديني الدمشقي البارز والمنتمي إلى المذهب الأشعري، بياناً اليوم الأحد عقب تعرّضه لاعتداء من قبل مجموعة متشددة يُعتقد أنها تتبع لسلطة أحمد الشرع في بلدة قارة بريف دمشق الغربي، أثناء إلقائه محاضرة دينية قبل يومين.
وفي بيانه الذي نُشر عبر صفحاته الرسمية، عبّر الشيخ الشعال عن أسفه وألمه لما جرى، مؤكداً أنه لم يكن يوماً خصماً للثوار أو للمرابطين، بل كان – على حد قوله – “داعماً للناس ومعيناً لهم في محنتهم” منذ بداية الثورة السورية.
وقال الشعال في مستهل بيانه:”عذراً لكل مكلومٍ ثائر ومرابطٍ صابرٍ آلمه يوماً قولي أو فعلي، فما أردت إيلامهم وهم إخواننا على العين والرأس، ولهم علينا يد لا تُنسى.”
وأوضح أنه خلال سنوات الحرب السورية كان يعيش “تحت التهديد والضغط” داخل مناطق النظام، مضيفاً:”لقد كنا نُخرِس النظام البائد – تحت الضغط والتهديد – بما لا نرتضيه من كلمات معدودة أو لقاءات، وما كنا في ذلك إلا كالمضطر لأكل لحم الميتة.”
وتحدث الشعال عن المخاطر التي واجهها الدعاة في مناطق النظام، مشيراً إلى أن النظام اعتقل شقيقه وقتل عدداً من أقاربه، كما فخّخ سيارته وأصدر بحقه قرار اعتقال في “فرع فلسطين”، أحد أشهر فروع المخابرات السورية.
وأضاف:”استُشهد من طلابي الداعمين للثورة واعتُقِل بعضهم، وساعدت من أستطيع على السفر لكيلا يُجبروا على الالتحاق بجيش النظام.”
وبيّن الشيخ أنه رفض مغادرة البلاد رغم المخاطر قائلاً:”كانت فرص السفر متاحة أمامي لأسلم وأغنم، فآثرت البقاء لمواساة الناس وتعليمهم ودعمهم، فقد وجدوا الأهوال والآلام من إجرام النظام البائد.”
وأشار في بيانه إلى أن برامجه التعليمية والخيرية خدمت آلاف السوريين، موضحاً أن جمعيته دعمت أسر الثوار والمعتقلين، وساهمت برامجه في تأهيل آلاف الشباب والفتيات للزواج، مضيفاً أنه “يستغفر الله من هذا البوح الذي كتمه سنوات، لكن الضرورة ألجأته إليه”.
وختم الشعال بيانه قائلاً:”إن أصبت فمن الله وحده، وإن أخطأت فأستغفر الله وأتوب إليه، وأنا أبرأ إلى الله من كل جريمة فعلها النظام المجرم، وحاشا لله أن أكون ظهيراً للمجرمين.
والشام موعودة بخير كبير قادم بإذن الله، وهي محتاجة منا لَمّ الشمل ورصّ الصف وتآلف القلوب، إنها تستحق.”
تفاصيل الاعتداء عليه
شهدت بلدة قارة في ريف دمشق الغربي، يوم الخميس الموافق 30 أكتوبر 2025، حادثة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والشعبية، بعد تعرض العالم الديني الدمشقي الشيخ الدكتور محمد خير الشعال لاعتداء لفظي من قبل مجموعة مسلحة مجهولة داخل أحد المساجد أثناء إلقائه محاضرة دينية.
ووفقاً لما نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن مجموعة من المسلحين اقتحمت المسجد أثناء المحاضرة، ووجهت للشيخ الشتائم والاتهامات المذهبية، قبل أن تطلب منه مغادرة المكان تحت التهديد بالسلاح.
وأظهر مقطع مصور متداول لحظة طرد الشيخ من المسجد وسط فوضى وصراخ، فيما التزم المصلون الصمت خوفاً من تصاعد الموقف داخل بيت الله.
خلفية الحادثة وأسبابها المحتملة
تشير مصادر حقوقية ودينية إلى أن السبب المباشر للاعتداء هو انتماء الشيخ الشعال إلى المذهب الأشعري، وهو مذهب سني تقليدي يعتبره بعض أتباع التيار السلفي المتشدد مخالفاً لمنهجهم العقدي.
وقد وصفت بعض التقارير المعتدين بأنهم ينتمون إلى جماعات متشددة تُعرف في المنطقة بـ”السلفية المعاصرة”، وتبنّت خطاباً تكفيرياً متزايداً ضد العلماء والدعاة الوسطيين.
كما تأتي الحادثة في سياق توترات مذهبية وأمنية متنامية تشهدها بعض مناطق ريف دمشق، خصوصاً بعد التغييرات السياسية والعسكرية في سوريا خلال عامي 2024 و2025.
تطورات لاحقة: حادثة حرستا
في اليوم التالي للحادثة، الجمعة 1 نوفمبر 2025، حاول الشيخ الشعال إلقاء محاضرة دينية في مسجد عبد الله بن عمر في مدينة حرستا بريف دمشق الشرقي، إلا أنه تعرض لموقف مشابه من قبل مجموعة من الأهالي والمسلحين، انتهى بإخراجه من المسجد بعد مشادات كلامية واشتباكات محدودة.
هذا التكرار السريع للحادثة أثار مخاوف من تصاعد موجة الاعتداءات الدينية ضد الشخصيات العلمية المعتدلة في المنطقة.
تضامن واسع:
أعلن عدد من العلماء والناشطين السوريين تضامنهم مع الشيخ، بينهم الدكتور علي العيس، الذي وصف الحادث بأنه “جرس إنذار خطير ضد الفكر التكفيري”، داعياً إلى حماية العلماء والرموز الدينية من الاعتداءات.
انتقادات متبادلة:
في المقابل، انتشرت منشورات على مواقع التواصل تتهم الشيخ بـ”التقارب السابق مع النظام السوري”، معتبرة أن وجوده في بعض المساجد يثير حساسية لدى فئات من السكان. إلا أن هذه المبررات قوبلت برفض واسع، باعتبارها لا تبرر الاعتداء على العلماء أو انتهاك حرمة المساجد.
الموقف الرسمي:
أصدرت وزارة الأوقاف السورية بياناً دعت فيه إلى احترام المساجد ومنع أي مظاهر للتطاول على العلماء، معتبرة أن “ما حدث يمس بحرية الشعائر الدينية ويسيء إلى صورة الإسلام”. كما شددت على أن المساجد يجب أن تبقى منابر للوحدة لا ساحة للانقسام.
الجدل العام والبعد الفكري
أثارت الحادثة نقاشاً حاداً على وسائل التواصل الاجتماعي حول طبيعة السيطرة الدينية في سوريا اليوم، ودور الجماعات المسلحة في فرض توجهاتها المذهبية داخل المساجد.
وربطت بعض المنشورات الحادثة بمحاولات لـ”فرض الفكر السلفي المتشدد” في بعض مناطق ريف دمشق، مشيرةً إلى خطر “الإحلال الديني” وغياب الرقابة الرسمية على الخطاب الديني في المناطق الخارجة عن السيطرة الحكومية.
من هو الشيخ محمد خير الشعال؟
الدكتور محمد خير الشعال من مواليد دمشق – سوريا، يعمل طبيب أسنان وداعية إسلامي وهو خريج جامعة دمشق، حاصل على دكتوراه في الشريعة، ومدرّس في معهد الشام العالي وجامعة أم درمان الإسلامية (فرع دمشق)
الانتماء الفكريسني أشعري معتدل، وله مؤلفات دينية تجاوز توزيع بعضها المليون نسخة، برامج تلفزيونية وإذاعية، وخطابة في أبرز مساجد دمشق
السمعة العامة معروف بخطابه الوسطي ودعوته إلى التسامح والاعتدال
تعكس حادثة الاعتداء على الشيخ محمد خير الشعال تصاعد التوترات المذهبية والفكرية في سوريا ما بعد 2024، وسط تراجع سلطة الدولة في ضبط الخطاب الديني وتنامي نفوذ الجماعات المتشددة في بعض المناطق.
ويرى مراقبون أن الحادث يمثل تحدياً خطيراً لحرية العبادة والتعايش الديني، ويؤكد الحاجة الملحّة إلى ترسيخ ثقافة الاعتدال وحماية العلماء من التحريض الطائفي، حفاظاً على ما تبقّى من النسيج الاجتماعي السوري.










