تركيا تسعى للعب دور مركزي في إعادة إعمار غزة وتثبيت وقف إطلاق النار، ما يثير حفيظة إسرائيل ويضع واشنطن في موقف دبلوماسي حساس. تعرف على التفاصيل والدوافع الإقليمية والإنسانية
لطالما حافظت تركيا على علاقة قوية مع حركة حماس لعقود، وهو ما سبب إحراجاً لعدد من الدول في المنطقة، لكنه نال مؤخراً إشادة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بعدما ساهمت أنقرة عبر علاقاتها مع حماس في الضغط على الحركة لقبول اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
إلا أن الدور المركزي الذي يراه الأمريكيون لتركيا في دفع خطة السلام الخاصة بترامب أثار حفيظة المسؤولين الإسرائيليين. فهم يرون أن تركيا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجماعات إسلامية معادية لإسرائيل، وتعد منافساً مباشراً لها في المنطقة.

تركيا بين الوساطة والمخاوف الإسرائيلية
تركيا تسعى لاستثمار نجاحها في إقناع حماس بالإفراج عن جميع الرهائن الأحياء، وهو شرط أساسي ضمن اتفاق وقف إطلاق النار. كما أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان رغبة بلاده في تقديم مساعدات إنسانية لإعادة بناء غزة، واعتبر أن لها «مسؤولية أساسية» في إعادة الإعمار، وأبدى انفتاحه على إرسال قوات ضمن قوة دولية لتثبيت الأمن.
لكن هذا الطموح التركي يثير قلق إسرائيل، التي تخشى أن يؤدي أي حضور تركي داخل القطاع إلى وضع قوى تُعتبر معادية على حدودها. المسؤولون الإسرائيليون يرون أن تركيا ليست عدوة رسمية، لكنها بالتأكيد ليست شريكاً لإسرائيل، كما وصف مايكل ميلشتاين، المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
المصالح التركية والدوافع الاقتصادية والسياسية
تركيا ترى في مشاركتها فرصة لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، وإبراز نفسها كلاعب دبلوماسي رئيسي، وتعزيز مكانة أردوغان بين ناخبيه المحافظين كزعيم مسلم عالمي. كما أن شركات البناء التركية، ذات الخبرة الطويلة في مشاريع البنية التحتية الكبرى وإعادة إعمار المناطق المنكوبة بالكوارث، مؤهلة لتولي مشاريع ضخمة في غزة، ما يجعل إعادة الإعمار فرصة اقتصادية كبيرة.
المنظمات الإنسانية التركية، مثل مؤسسة الإغاثة الإنسانية IHH، تقوم بدور نشط في غزة منذ سنوات، وتعرض مواد إعلامية تظهر العلم التركي على الأرض، ما يعزز الوجود التركي الرمزي والفعلي في القطاع.
واشنطن: دعم مشروط
الإدارة الأمريكية ترى أن لتركيا دوراً «بنّاءً» في تثبيت وقف إطلاق النار، لكنها لن تجبر إسرائيل على قبول قوات تركية على أراضيها. نائب الرئيس الأمريكي JD Vance أكد أن تركيا قد لعبت دوراً إيجابياً حتى الآن، لكنه استبعد فرض أي خطوات على الحليف الإسرائيلي.
الموقف الإسرائيلي
إسرائيل تبذل جهوداً كبيرة لمنع أي مشاركة تركية فعلية، معتبرة أن مصالح تركيا تتعارض مع أمنها القومي. بعض المسؤولين السابقين يحذرون من أن وجود تركيا وقطر والجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين في غزة قد يشكل تهديداً مباشراً. وتصر إسرائيل على أنها وحدها تحدد القوات الأجنبية غير المقبولة في القطاع.

الواقع الفلسطيني
بينما تتصارع القوى الإقليمية على النفوذ، يعاني الفلسطينيون من نقص المساعدات الإنسانية وبقاء ملفات شائكة بدون حل، مثل نزع سلاح حماس وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية. تركيا تقدم نفسها كضامن وميسر، لكن قدرة النفوذ السياسي على ترجمة وجود فعلي وآمن على الأرض ما زالت محل شك.
المشهد الحالي يعكس صراعاً بين الرغبة في تثبيت وقف إطلاق النار، وطموحات تركيا الإقليمية، وريبة إسرائيل. تركيا قد تكون اللاعب الجديد المؤثر، لكن بدون تفاهم كامل مع تل أبيب وضمان آليات تنفيذ شفافة، ستظل كل الخطوات على الورق، بينما يدفع الفلسطينيون الثمن الأكبر على الأرض.










