تصاعد التوتر بين نيجيريا والولايات المتحدة بعد تهديد دونالد ترامب بالتدخل العسكري بدعوى حماية المسيحيين، في وقت تؤكد فيه أبوجا أن العنف يستهدف جميع الطوائف. هل يتحول الملف الأمني إلى ورقة انتخابية في واشنطن؟
تصاعدت التوترات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة ونيجيريا بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن أنه أمر وزارة الدفاع الأمريكية بالاستعداد لـ«تحرك محتمل» ضد ما وصفه بـ«المجزرة الجماعية بحق المسيحيين في نيجيريا»، ملوحًا بوقف كل أشكال المساعدات المقدمة إلى أبوجا.
الحكومة النيجيرية رفضت بشكل قاطع تلك الادعاءات، مؤكدة أن «العنف يطال جميع المكونات الدينية والعرقية في البلاد» وأن أي تدخل عسكري أجنبي «سيُعد انتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية».
وقال المتحدث باسم الرئاسة دانييل بوالا إن تصريحات ترامب «مبنية على تقارير مضللة» وتعكس «أسلوبه المعتاد في استخدام التهديد كوسيلة للضغط السياسي»، مضيفًا أن «العمليات العسكرية في نيجيريا شأن سيادي لا يمكن لأي طرف خارجي فرضه».
خلفية الأزمة
جاءت تصريحات ترامب بعد أن أعاد إدراج نيجيريا ضمن قائمة «الدول المثيرة للقلق» في ما يتعلق بحرية المعتقد، متهمًا الحكومة النيجيرية بـ«غض الطرف عن إبادة المسيحيين» في بعض المناطق.
الخطوة جاءت استجابة لضغوط من مشرعين محافظين وجماعات إنجيلية أمريكية اتهمت نيجيريا بـ«التقاعس عن حماية المسيحيين»، في حين ترفض أبوجا هذه المزاعم واصفة إياها بـ«تشويه متعمد للواقع».

الرئيس النيجيري بولا تينوبو أكد في بيان أن «التسامح الديني جزء أصيل من هوية نيجيريا»، مشددًا على أن حكومته تعمل مع شركاء دوليين لحماية جميع المواطنين «بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية».
حقائق معقدة
دراسات مراكز بحثية متخصصة – مثل مشروع بيانات النزاعات المسلحة – أظهرت أن العنف في نيجيريا لا يمكن اختزاله في بُعد ديني، إذ يُظهر الواقع أن الهجمات تستهدف المسلمين والمسيحيين على حد سواء. فمنذ عام 2009 قُتل أكثر من 52 ألف مدني في أعمال عنف ذات طابع سياسي أو طائفي، بينما تشير البيانات الحديثة إلى أن الضحايا موزعون بين الجانبين بنسب متقاربة.
وتتعدد دوافع العنف بين مناطق البلاد:
• في الشمال الشرقي: تواصل جماعات «بوكو حرام» و«داعش غرب إفريقيا» حربها ضد الدولة منذ أكثر من 15 عامًا.
• في الوسط: تنشأ صراعات بين مزارعين مسيحيين ورعاة مسلمين على الأراضي والموارد.
• في الغرب والشمال الغربي: تنتشر عصابات مسلحة تمارس الخطف والنهب ضد كل الطوائف دون تمييز.
ويقول الخبير الأمني تايو حسن أديبايو من معهد الدراسات الأمنية: «الجغرافيا، لا الدين، هي ما يحدد من يكون الضحية في معظم الأحيان».
موقف أبوجا
الحكومة النيجيرية تنفي وجود «اضطهاد منظم» للمسيحيين، لكنها تعترف بأن الوضع الأمني لا يزال هشًا. فقد أطلقت القوات المسلحة عمليات واسعة ضد الجماعات المسلحة، فيما أجرى الرئيس تينوبو مؤخرًا تغييرات على القيادات الأمنية لتحسين التنسيق بين الأجهزة.
ويؤكد القس جوزيف هياب، الرئيس السابق لجمعية المسيحيين في نيجيريا، أن «المشكلة ليست في الدين، بل في فشل الدولة في حماية مواطنيها»، مضيفًا أن المسلمين والمسيحيين يدفعون الثمن نفسه من دمائهم.
جدل حول التدخل الأمريكي
إعلان ترامب عن استعداد البنتاغون للتحرك أثار مخاوف من «تغول» أمريكي جديد في إفريقيا. ويرى محللون أن تصريحاته تستهدف كسب دعم الإنجيليين داخل الولايات المتحدة أكثر من كونها خطة فعلية للتدخل.
ويقول المحلل النيجيري تشيتا نوانزي من مركز «إس بي إم إنتليجنس» في لاغوس: «هذه الانتقادات الأمريكية ليست جديدة، لكنها تكشف فشلًا عميقًا في إدارة الأمن داخل نيجيريا، وهو ما يمنح الآخرين فرصة لتوجيه أصابع الاتهام».
العنف في نيجيريا معقد ومتعدد الجذور، تتداخل فيه العوامل الاقتصادية والعرقية والبيئية، ولا يمكن تفسيره بمعادلة «مسلم ضد مسيحي». بينما تسعى واشنطن لاستثمار القضية سياسيًا، يواجه النيجيريون على الأرض معركة حقيقية من أجل البقاء، عنوانها غياب الدولة وتراجع الأمن، لا الصراع بين الأديان.










