في حكم جديد يسلط الضوء على الاتهامات المستمرة ضد إيران بدعم الإرهاب في الشرق الأوسط، قضت محكمة اتحادية أمريكية بأن إيران مسؤولة عن سلسلة هجمات إرهابية دامية في العراق بين عامي 2003 و2017، وألزمتها بدفع 841 مليون دولار كتعويضات مالية لضحايا تلك الهجمات وعائلاتهم.
محكمة مقاطعة كولومبيا بواشنطن
الحكم، الذي صدر في 31 أكتوبر/تشرين الأول عن القاضي الفيدرالي راندولف د. موس في محكمة مقاطعة كولومبيا بواشنطن، جاء بعد سنوات من المداولات القانونية وشهادات من الناجين وأقارب الضحايا.
وأكد القاضي في حكمه المؤلف من 12 صفحة أن إيران قدمت دعما ماليا ولوجستيا كبيرا لجماعتي الزرقاوي وأنصار الإسلام، اللتين نفذتا عدة تفجيرات وهجمات في محافظة الأنبار ومناطق أخرى من العراق خلال فترة الاحتلال الأمريكي.
وكتب القاضي موس في حيثيات الحكم:”تدرك المحكمة أنه لا يمكن لأي مبلغ من المال، مهما كان كبيرا، أن يعيد ما خسره الضحايا في هذه القضية، سواء نتيجة للأعمال البغيضة التي تقوم بها الحكومة الإيرانية أو الجماعات الإرهابية التي تدعمها”.
كم ستدفع إيران تعويضات؟
تضمن القرار منح 420.7 مليون دولار كتعويضات فعلية للضحايا وذويهم عن الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بهم، إلى جانب 420.7 مليون دولار كتعويضات عقابية، ليصل المجموع إلى 841 مليون دولار لـ 36 مدعيا فقدوا أقاربهم أو أصيب أفراد من عائلاتهم في تلك العمليات.
ويستند الحكم إلى الاستثناء المتعلق بالدول الراعية للإرهاب الوارد في قانون حصانات السيادة الأجنبية الأمريكي (FSIA)، الذي يسمح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة حكومات أجنبية تدعم جماعات مصنفة إرهابية.
ورحب فريق الادعاء بالحكم باعتباره انتصارا رمزيا وإنسانيا، رغم صعوبة تنفيذه من الناحية العملية. وقال المحامي نيكولاس ريديك، أحد ممثلي الضحايا:”رغم أن هذا الحكم لا يمكن أن يعوض معاناة تلك العائلات، إلا أنه يعيد لها بعض الشعور بالعدالة. أخيرا تمت محاسبة أحد المسؤولين عن هذه المآسي”.
وأضاف ريديك أن القضايا من هذا النوع تتطلب “مئات الساعات من البحث والتحقيق وجمع الأدلة”، مشيرا إلى أن إثبات المسؤولية المباشرة لدولة أجنبية في أعمال إرهابية “عملية معقدة وطويلة”.
أحكام التعويضات ضد إيران
يأتي هذا الحكم ضمن سلسلة من القرارات الصادرة عن القضاء الأمريكي ضد طهران في قضايا مشابهة. ففي أبريل/نيسان الماضي، أمرت محكمة في واشنطن إيران وسوريا بدفع 191 مليون دولار كتعويضات لعائلة آري فولد، المواطن الأمريكي الذي قتل في هجوم نفذته حركة حماس في الضفة الغربية عام 2018.
وفي يوليو/تموز الماضي، حكمت محكمة فيدرالية لصالح الناشطة والصحفية الإيرانية مسيح علي نجاد ضد إيران بسبب احتجاز شقيقها رهينة للضغط عليها لوقف حملتها ضد الحجاب الإجباري، وأقرت لها بتعويض قدره 3.3 مليون دولار.
كما أصدرت محكمة أخرى في واشنطن حكما بإلزام إيران بدفع 19.5 مليون دولار لأبناء عباس أمير انتظام، المتحدث باسم الحكومة المؤقتة بعد الثورة الإيرانية عام 1979، بسبب تعذيبه وسجنه بشكل غير قانوني لمدة 40 عاما.
وفي أغسطس/آب 2019، قضت محكمة فيدرالية بأن إيران مسؤولة عن دعم ميليشيات الحوثي في اليمن التي اختطفت مواطنين أمريكيين عام 2015 وقتلت أحدهما لاحقا.
صعوبات في تنفيذ الأحكام
ورغم صدور العديد من هذه الأحكام، فإن تحصيل التعويضات من إيران يظل أمرا شبه مستحيل بسبب العقوبات الأمريكية الواسعة ومصادرة معظم أصول طهران في الخارج.
وأوضح المحامي ريديك أن معظم الضحايا يعتمدون على صندوق ضحايا الإرهاب الأمريكي (USVSST) الذي تديره الحكومة لتعويض المتضررين من الإرهاب الدولي، بدلا من الحصول على الأموال مباشرة من الدول المدانة.
ويضم الصندوق حاليا أكثر من 21 ألف مستفيد، من بينهم نحو 13 ألف ضحية لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، و8800 ضحية لأعمال إرهابية أخرى. إلا أن الصندوق يعاني من عجز مالي كبير نتيجة نقص التمويل من الكونغرس.
وقال ريديك:”نأمل أن يتخذ الكونغرس إجراءات عاجلة لمعالجة هذا النقص. هذه القضية تتجاوز الخلافات السياسية، لأنها تتعلق بالعدالة لضحايا الإرهاب”.
أبعاد سياسية وقانونية
يرى مراقبون أن الحكم الأخير يعكس استمرار استخدام النظام القضائي الأمريكي كأداة لمساءلة إيران عن دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة، في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط توترا متصاعدا في ظل الصراعات الإقليمية وتزايد نشاط الميليشيات الموالية لطهران.
ويتوقع أن تثير هذه الأحكام ردود فعل غاضبة من الجانب الإيراني، الذي عادة ما يرفض هذه القضايا ويصفها بأنها “قرارات سياسية لا أساس قانوني لها”، مؤكدا أنه لا يعترف بصلاحية المحاكم الأمريكية للنظر في قضايا ضده.
ومع ذلك، تواصل المحاكم الأمريكية إصدار أحكام مماثلة ضد إيران منذ أكثر من عقدين، لتصبح القرارات القضائية إحدى أدوات الضغط الدبلوماسي والاقتصادي غير المباشر على النظام الإيراني.









