لأول مرة، يبدو أن السياسة الإماراتية تجاه السودان تشهد اعترافا رسميا بالأخطاء التي ارتكبتها، خصوصا فيما يتعلق بدعمها لقوات الدعم السريع، الميليشيا السودانية المتهمة بتنفيذ عمليات قتل جماعي في الفاشر بعد استيلائها على المدينة مؤخرا.
تحدث أنور قرقاش، المبعوث الدبلوماسي الإماراتي، يوم الأحد في البحرين، مشيرا إلى أن الإمارات ودولا أخرى أخطأت حين لم تفرض عقوبات على منظمي انقلاب 2021 الذي أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية في السودان. وقال قرقاش: “كان ينبغي أن نقف جماعيا ونضع حدا للأمر… لم نصفه بأنه انقلاب”.
يمثل هذا الموقف تحولا بارزا، إذ عملت الإمارات سابقا على تعزيز دور الجيش وتهميش السلطة المدنية بعد الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم عمر البشير في 2019.
وقد قدمت الإمارات والسعودية دعما ماليا ضخما للمجلس العسكري الانتقالي، في خطوة اعتبرها محللون بمثابة “دبلوماسية الإنقاذ”، قبل أن تتوقف المساعدات بعد تولي المدنيين زمام الحكم، ما ساهم في تمهيد الطريق لانقلاب 2021 واندلاع الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع عام 2023.
المسؤولية الدولية والاتهامات
يعتبر اعتراف قرقاش مؤشرا على أن الإمارات تعترف ضمنيا بأن سياستها تجاه السودان انحرفت عن مسارها، وأنها ربما تحتاج للابتعاد عن قوات الدعم السريع، التي ظلت قوة فعالة في المشهد العسكري والاقتصادي للبلاد.
رغم نفي الإمارات تورطها المباشر، إلا أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات في يناير على حميدتي وسبع شركات مرتبطة به ومقرها الإمارات، مشيرة إلى احتمال تلقيه أسلحة ودعما من الدولة الخليجية. ويشير محللون إلى أن الإمارات كانت تستطيع كبح جماح حميدتي ومنع فظائع الفاشر، لكنها لم تفعل، ما جعل مسؤوليتها الدولية محل نقاش.
الموارد والاقتصاد
تلعب الموارد الطبيعية دورا محوريا في اهتمام الإمارات بالسودان، خصوصا الذهب الذي يمثل نحو نصف الصادرات السودانية.
وقد وصل إنتاج الذهب إلى مستويات قياسية في مناطق سيطرة الجيش، فيما تقدر عمليات التهريب التي تمر عبر السودان والدول المجاورة إلى الإمارات بمليارات الدولارات.
إضافة إلى الذهب، يمثل السودان قطاع الزراعة والموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر أهدافا مهمة للاستثمارات الإماراتية، فقد وقعت مجموعة موانئ أبوظبي وشركة Invictus Investment صفقة بقيمة 6 مليارات دولار لميناء أبو عمامة في 2022، رغم أن العقد ألغي لاحقا من قبل قائد السودان الفعلي عبد الفتاح البرهان، لكن الإمارات تسعى لإعادة إحيائه مع ظهور أي خليفة محتمل.
السياسة والتهديد الإسلامي
لا يقتصر اهتمام الإمارات على الموارد فحسب، بل يمتد إلى السياسة؛ فهي ترى في الإسلام السياسي تهديدا للأمن الإقليمي، وتستخدم علاقاتها مع الجيش وقوات الدعم السريع لاحتواء تأثير جماعة الإخوان المسلمين، على غرار تدخلاتها في اليمن وليبيا.
الضغط الدولي والمسار المستقبلي
مع تزايد الضغوط على الإمارات بسبب سمعتها المتأثرة بدعمها لقوات الدعم السريع، تطرح تساؤلات حول استعدادها للتخلي عن هذه القوة أو تقييد دورها. وتدعو الولايات المتحدة إلى تنسيق دولي من الإمارات ومصر لدفع وكلاءهما العسكريين نحو وقف إطلاق النار والمساهمة في عملية انتقالية مدنية.
يظهر البيان الرباعي الصادر في سبتمبر، الذي ضم الإمارات والسعودية ومصر والولايات المتحدة، مسارا لهدنة إنسانية مدتها ثلاثة أشهر، تتبعها هدنة دائمة، ثم إقامة حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر، مع التأكيد على أن مستقبل السودان يجب أن يحدده الشعب السوداني وحده.
تظل القضية مفتوحة على عدة احتمالات: هل ستختار الإمارات المصالح الاستراتيجية والاقتصادية على حساب السمعة الدولية، أم أنها ستتجه نحو قطيعة واضحة مع قوات الدعم السريع، بما يعكس التزامها الفعلي بدعم حكم مدني مستقل في السودان؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد طبيعة المشهد السوداني في السنوات القادمة، ومستقبل العلاقة بين الإمارات والسودان، سواء من زاوية السياسة أو الموارد الاقتصادية.











