في خطوة تكشف ملامح مرحلة جديدة من إعادة رسم التوازنات الأمنية في الشرق الأوسط، دشّنت القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) وقطر أول مركز قيادة مشترك للدفاع الجوي في المنطقة داخل قاعدة العديد الجوية، التي تُعدّ أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط.
لكن خلف الأشرطة الحمراء لحفل الافتتاح تختبئ أسئلة أكثر خطورة من الاحتفالات العسكرية؛ فهذه ليست مجرد منشأة دفاعية، بل إعلان صريح عن تحوّل قطر إلى «محمية أميركية» غير معلنة، بغطاء من اتفاقات أمنية تجاوزت كل ما سبقها في العلاقات الأميركية العربية.
فبعد أن استهدفت القاعدة بصواريخ إيرانية في يونيو، عقب الغارات الأميركية على منشآت نووية إيرانية، سارعت واشنطن لتكثيف وجودها العسكري في قطر، مقدمةً ما يشبه “ضمانة أمنية” تاريخية اعتبرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب جزءًا من استراتيجية «الأصدقاء المضمونين». لكن هذه الضمانة لم تأتِ بلا ثمن؛ إذ تعهّدت الدوحة بضخ أكثر من تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي، من الاستثمارات إلى التعاون العسكري، في لحظة بدا فيها أن المال القطري أصبح بوابة النفوذ السياسي.
في المقابل، يرى محللون أن هذه الخطوة تُدخل المنطقة في معادلة جديدة من التبعية الأمنية، حيث يُصبح أمن الخليج مرهونًا بمصالح واشنطن، لا بإجماع عربي أو منظومة دفاع إقليمية مستقلة. فالقاعدة التي لطالما وُصفت بأنها “سلاح الردع الأميركي ضد إيران”، أصبحت اليوم أيضًا منصة لحماية دولة تستضيف قيادات «حماس» وتُمثل همزة وصل حساسة بين واشنطن وطهران وتل أبيب في آنٍ واحد.
الانتقادات لا تتوقف عند حدود التحليل السياسي؛ فداخل الولايات المتحدة نفسها، أثار التقارب مع الدوحة موجة جدل، خصوصًا بعد إعلان ترامب عن إقامة منشأة تدريب للقوات الجوية القطرية في ولاية أيداهو، والهبة المثيرة للجدل بطائرة قطرية ستُستخدم مستقبلًا كـ«إير فورس ون».
ما يجري في العديد ليس مجرد تحديث لقاعدة عسكرية، بل هو ترسيخ لتحالف تتقاطع فيه المصالح الاقتصادية مع الحسابات الأمنية. وبينما تتباهى واشنطن بأنها بنت “نظامًا دفاعيًا مشتركًا” في الخليج، يراها آخرون خريطة نفوذ جديدة، تُدار فيها السيادة من خارج الحدود وتُوزَّع فيها الأدوار حسب الولاء لا المصلحة الوطنية.
ويبقى السؤال الأبرز:
هل تحوّلت قطر من وسيط دبلوماسي في أزمات المنطقة إلى «رأس جسر» للنفوذ الأميركي في قلب العالم العربي؟ أم أنها ببساطة تشتري أمنها في زمن تتبدل فيه التحالفات أسرع من وميض الصواريخ في سماء الخليج؟










