في زيارة ميدانية مفاجئة، قام رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، صباح اليوم السبت، بزيارة إلى محلية الدبة في الولاية الشمالية، حيث يتجمع عشرات الآلاف من النازحين الذين فروا من مدينة الفاشر (عاصمة شمال دارفور) بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها في أواخر أكتوبر الماضي.
زيارة البرهان تأتي في وقت عصيب، حيث يواجه النازحون أزمة إنسانية خانقة وسط ظروف معيشية صعبة، وتزايد الأعداد الفارين من مناطق النزاع في دارفور.
تفقد المخيمات والاستماع إلى شهادات النازحين
بدأ البرهان زيارته بمخيم “قطر الخير” ومركز “العفاض” شرقي الدبة، حيث يوجد تجمعات كبيرة للنازحين. هناك، استمع البرهان مباشرة إلى شهادات النازحين الذين أجبروا على الفرار من منازلهم بسبب الأعمال العدائية التي تقوم بها قوات الدعم السريع.
كانت القصص التي رووها محزنة، إذ سرد العديد من النازحين تفاصيل الرحلة الشاقة التي امتدت على مدى 600 كم عبر طرق محفوفة بنقاط التفتيش التابعة لقوات الدعم السريع.
قصص مأساوية: معاناة النزوح
أشار النازحون إلى أنهم فقدوا العديد من أفراد أسرهم في أثناء فرارهم، وبعضهم تعرض لإصابات خطيرة نتيجة للاشتباكات.
كما روى البعض منهم تجارب مأساوية من الاغتصاب والنهب من قبل المسلحين أثناء العبور عبر المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع. القسوة التي تعرض لها هؤلاء المدنيون تعكس عمق الأزمة الإنسانية التي تعيشها مناطق النزاع في دارفور.
قسم البرهان بالثأر للضحايا
في ختام جولته التفقدية، وقف البرهان أمام حشد كبير من النازحين وأدى قسما بالثأر للضحايا، قائلا: “قسما سنثأر”. تعهد البرهان بالقضاء على ما وصفه بـ “المليشيا الإرهابية”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع، واستعادة السيطرة على الفاشر وأراضي دارفور بالكامل. هذا القسم لم يكن مجرد تعبير عن التضامن، بل كان رسالة سياسية وعسكرية واضحة، مفادها أن الدولة لن تتخلى عن مواطنيها وأن العدالة ستتحقق على الميدان.
توجيهات فورية للأجهزة الحكومية
في خطوة عملية، وجه البرهان جميع الأجهزة الحكومية بتوفير الغذاء، الماء، الدواء، والمأوى فورا للنازحين.
وأكد أن قضية النازحين تعد في سلم أولويات الدولة، مشيدا بروح التكافل والتضامن التي أظهرها المواطنون السودانيون في استقبال إخوانهم النازحين. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة، إلا أن التحديات الميدانية تبقى كبيرة للغاية.
أرقام النازحين في الدبة
بحسب التقارير الرسمية، وصل عدد النازحين في الدبة إلى 50,000 نازح حتى اليوم، بينما تشير الأرقام الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة إلى أن أكثر من 81,000 شخص قد نزحوا من الفاشر ومحيطها.
من بين هؤلاء، يوجد 4,500+ نازح في المخيمات التي تقع في محلية الدبة، مع تدفق يومي مستمر للنازحين نتيجة لاستمرار الاشتباكات في المنطقة.
الأوضاع الإنسانية: جوع وعطش وأمراض
الأوضاع الإنسانية في المخيمات مزرية للغاية. هناك نقص حاد في الغذاء والماء، ما تسبب في انتشار الأمراض، خاصة بين الأطفال. يعاني الأطفال في المخيمات من سوء التغذية والأمراض المعدية بسبب افتقارهم للحد الأدنى من الرعاية الصحية.
وفي مركز “حوش مليط”، تم تسجيل 85 طفلا تم فصلهم عن أسرهم خلال رحلة النزوح، وهم الآن في حاجة ماسة إلى رعاية خاصة.
معاناة الطريق: قصص الرعب
كشفت شهادات النازحين عن قصص مروعة عن المعاناة التي واجهوها أثناء رحلة النزوح. تحدث البعض عن إطلاق النار على المدنيين، وحرق الجثث على الطريق، بالإضافة إلى عمليات الاغتصاب والاعتداءات الوحشية التي تعرض لها بعض النازحين من قبل المسلحين. هذه القصص تعكس البشاعة التي يعاني منها المدنيون في مناطق النزاع.
رسالة سياسية وعسكرية: التحدي الأكبر
زيارة البرهان اليوم كانت أكثر من مجرد زيارة تفقدية؛ فهي تحمل رسالة سياسية وعسكرية واضحة: “الدولة لن تتخلى عن مواطنيها، والثأر قادم”.
لكن في الوقت نفسه، يظل التحدي الأكبر هو ترجمة الوعود السياسية إلى مساعدات إنسانية فورية وتحقيق الانتصار العسكري على الأرض.
وتزداد المخاوف من أن تتفاقم الأوضاع الإنسانية، التي باتت توصف بأنها “الأسوأ عالميا”، في حال لم تتخذ الحكومة خطوات عاجلة لتوفير الدعم الكافي للمحتاجين.
المستقبل غامض
بينما كانت زيارة البرهان إلى الدبة تعبيرا عن تضامن الحكومة مع النازحين وعزمها على التصدي لقوات الدعم السريع، يبقى أن ننتظر كيف ستتمكن الحكومة من تنفيذ هذه الوعود وسط الأوضاع الميدانية المعقدة والتهديدات العسكرية المستمرة. ومن المؤكد أن الأزمة الإنسانية تتطلب استجابة عاجلة على كافة الأصعدة، بما في ذلك المساعدات الإنسانية الدولية، لضمان تقديم العون للنازحين وإنهاء معاناتهم المستمرة.










