في ضوء التطورات الدبلوماسية الراهنة، تبرز الوساطة الأمريكية بين المغرب والجزائر كأحد أبرز التحركات السياسية في شمال إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، وسط ترقب دولي لاحتمال أن تفتح هذه الجهود فصلا جديدا في تاريخ التعاون المغاربي، وتعيد رسم خريطة التوازنات الإقليمية في المنطقة.
وساطة أمريكية بطموح كبير
أكد مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى شمال إفريقيا، ستيف ويتكوف، أن فريقه “يعمل مع المغرب والجزائر الآن”، معبرا عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام خلال ستين يوما.
وتأتي هذه الوساطة في ظل تزايد اهتمام واشنطن بالاستقرار الإقليمي وتراجع النفوذ الأوروبي التقليدي في المنطقة، إلى جانب التغير في علاقات كل من المغرب والجزائر مع القوى الكبرى.
ويشير تحليل لمعهد واشنطن إلى أن الولايات المتحدة بدأت حوارات استراتيجية موازية مع الرباط والجزائر، ما يعكس استعدادا أمريكيا للعب دور الوسيط المتوازن القادر على إعادة ضبط العلاقات المغاربية على أسس جديدة.
الأبعاد الاقتصادية والسياسية
تمثل العلاقة المتجمدة بين البلدين منذ إغلاق الحدود البرية عام 1994، أحد أكبر العوائق أمام التكامل الاقتصادي المغاربي.
وفي حال نجاح الوساطة الأمريكية، يمكن أن يؤدي فتح الحدود والتعاون الاقتصادي إلى انتعاش تجاري واستثماري كبير، يشمل تشغيل خطوط الطاقة والنقل وتحفيز الاستثمارات المشتركة.
ويرى محللون أن هذه الخطوة قد تشكل فرصة لإحياء الوحدة المغاربية وتعزيز الصمود الاقتصادي الإقليمي في مواجهة الأزمات العالمية.
إعادة التوازن الإقليمي
من جهة أخرى، فإن نجاح الوساطة سيتيح للمغرب والجزائر استعراض دور جديد في شمال إفريقيا؛ فالمغرب يتمتع بنشاط دبلوماسي متزايد وعلاقات واسعة مع الغرب وإفريقيا، بينما تملك الجزائر موارد طاقية كبيرة وموقعا جغرافيا استراتيجيا على المتوسط والساحل الإفريقي.
وتسعى واشنطن، من خلال هذه الوساطة، إلى بناء محور استقرار مغاربي يحد من النفوذ الروسي والصيني في المنطقة، ويعزز التنسيق الأمني والاقتصادي مع الشركاء الغربيين.
عقدة الصحراء الغربية… التحدي الأبرز
تظل قضية الصحراء الغربية العقبة المركزية أمام أي انفراج حقيقي في العلاقات بين البلدين.
فبينما يسعى المغرب إلى الحصول على دعم دولي لخطة الحكم الذاتي التي طرحها للأقاليم الجنوبية، تصر الجزائر على دعم مبدأ تقرير المصير.
وفي حال إدراج هذا الملف في إطار مسار تفاوضي مرن، قد يتركز الاتفاق الأولي على فتح قنوات اتصال وتعاون جزئي دون الخوض في حسم القضايا الجوهرية فورا.
معوقات بنيوية وتاريخية
رغم الزخم الدبلوماسي الحالي، إلا أن الطريق أمام الوساطة الأمريكية ليس سهلا.
فالإرث التاريخي من الشكوك والتنافس الإقليمي، إضافة إلى تضارب المصالح الأمنية والسياسية في قضايا الساحل وليبيا والطاقة، يجعل أي تسوية هشة ومشروطة.
كما أن الجزائر أعلنت في أكثر من مناسبة رفضها لمبدأ الوساطة الخارجية في علاقتها مع المغرب، معتبرة أن أي حوار يجب أن يكون مباشرا ونديا.
السيناريوهات المحتملة
إذا نجحت الوساطة الأمريكية وتم توقيع اتفاق أولي، فقد نشهد مرحلة أولى من التعاون الانتقائي تشمل فتح معابر حدودية محددة، إطلاق مشاريع طاقة مشتركة، وتنسيقا أمنيا في مكافحة الإرهاب والهجرة.
أما المرحلة الثانية فقد تتجه نحو إحياء فكرة الاتحاد المغاربي أو إنشاء إطار تعاون اقتصادي جديد، يعيد تشكيل البنية المغاربية على أساس أكثر واقعية وتكاملا.
وفي المقابل، إذا تعثرت المفاوضات أو فشلت، فقد تبقى العلاقات بين البلدين رهينة الشد والجذب، مع استمرار التأثيرات الخارجية في تحديد مسار المنطقة.
تمثل الوساطة الأمريكية بين المغرب والجزائر اختبارا دبلوماسيا حساسا لواشنطن وللنظامين المغاربيين على حد سواء.
فهي ليست مجرد محاولة لإعادة العلاقات الثنائية، بل فرصة لإعادة صياغة التوازن الإقليمي في شمال إفريقيا على أسس التعاون بدل التنافر.
ومع أن الطريق مليء بالعقبات، فإن مجرد فتح باب الحوار بعد عقود من القطيعة قد يشكل بداية تغيير تاريخي في مسار العلاقات المغاربية.










