بدأت اليوم الأحد 9 نوفمبر 2025، مرحلة التصويت الخاص للانتخابات البرلمانية العراقية، حيث أدلى أفراد القوات المسلحة والأمن والنازحون بأصواتهم قبيل إجراء الانتخابات العامة التي ستجرى في 11 نوفمبر/تشرين الثاني.
وتشير التوقعات إلى أن هذه الانتخابات قد تشهد نسبة مشاركة متدنية نتيجة للإحباط الشعبي والتحديات السياسية التي تواجهها البلاد. ومع ذلك، فإن هذه الانتخابات تعد أكثر أهمية من أي وقت مضى، خاصة بالنسبة لإيران التي قد تؤثر نتائجها بشكل كبير على نفوذها الإقليمي المتبقي في العراق.
الانتخابات البرلمانية العراقية: خلفية وتفاصيل
منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، أجرى العراق خمس انتخابات برلمانية، ويعتبر الاستحقاق الحالي هو السادس من نوعه.
وفقا للسلطات العراقية، فقد سجل نحو 21 مليون ناخب للتصويت من أصل 30 مليون ناخب مؤهل. وتتنافس في الانتخابات الحالية 37 تحالفا سياسيا، بالإضافة إلى 38 حزبا و80 مرشحا مستقلا. ينتخب العراقيون 329 عضوا لتمثيلهم في البرلمان من بين أكثر من 7 آلاف مرشح.
تكتسب هذه الانتخابات أهمية كبيرة بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية، مثل إيران والولايات المتحدة والسعودية وتركيا، التي تولي جميعها اهتماما بالغا لتشكيلة البرلمان المقبل وتأثيره على مصالحها في العراق. البرلمان العراقي الجديد سيتولى أيضا مهمة انتخاب رئيس الجمهورية، الذي بدوره سيكلف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة.
النفوذ الإيراني في الانتخابات
منذ عام 2005، لعبت إيران دورا بارزا في الانتخابات العراقية، خاصة في دعم الجماعات الشيعية المقربة منها.
وفي انتخابات 2005، تمكنت الحركات السياسية المدعومة من إيران من فرض نفسها على النظام التشريعي العراقي، وهو ما أسفر عن فوز الائتلاف العراقي الموحد وانتخاب إبراهيم الجعفري، المقرب من طهران، رئيسا للوزراء.
ومنذ تلك الفترة، استمرت إيران في دعم الجماعات الشيعية عبر قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذي لعب دورا حاسما في توحيد الأحزاب الشيعية وزيادة نسبة المشاركة في جنوب العراق.
وقد أسهم ذلك في وصول أربعة رؤساء وزراء إلى السلطة، كانوا جميعهم حلفاء لإيران: الجعفري، نوري المالكي، حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي.
ولكن بعد مقتل قاسم سليماني في يناير 2020، تراجع النفوذ الإيراني في العراق بشكل ملحوظ، رغم استمرار محمد شياع السوداني في رئاسة الحكومة بعد انتخابه في عام 2022، ويعتبر السوداني أحد السياسيين الذين يتمتعون بعلاقات جيدة مع طهران، رغم سعيه لتحقيق توازن في علاقات العراق مع إيران والولايات المتحدة.
قوات الحشد الشعبي: محور صراع داخلي وإقليمي
تعد قوات الحشد الشعبي، التي تمثل تحالفا من جماعات شيعية مدعومة من إيران، من أبرز القضايا المثيرة للجدل في الانتخابات الحالية. ورغم أن البرلمان العراقي يعترف بقوات الحشد الشعبي كجزء من المؤسسة العسكرية الرسمية، فإن هذه القوات تظل تمثل وسيلة لإيران لحماية مصالحها داخل العراق.
وتحاول الولايات المتحدة، بالتعاون مع الحكومة العراقية، نزع سلاح قوات الحشد الشعبي ودمجها في الجيش العراقي، لكن إيران ترى فيها عنصرا استراتيجيا ضروريا لحماية مصالحها في العراق والمنطقة.
فيما يتعلق بتطورات الحشد الشعبي، أفاد وزير الدفاع العراقي، ثابت العباسي، مؤخرا عن مكالمة هاتفية مع وزير الدفاع الأمريكي، حذر فيها الأخير من عملية عسكرية أمريكية محتملة في المنطقة، وأوصى بعدم تدخل الميليشيات العراقية إذا وقعت مثل هذه العمليات.
النفوذ الإيراني الناعم والتحديات الاقتصادية
في السنوات الأخيرة، ابتعدت إيران عن الأساليب العسكرية المباشرة وركزت على استراتيجية النفوذ الناعم.
وتمثل هذه الاستراتيجية محاولة طهران لتوحيد الجبهة الشيعية العراقية عبر الإطار التنسيقي، الذي يضم جماعات شيعية رئيسية، في مسعى لتفادي التنافس الداخلي بين القوى الشيعية.
وعلى الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها العراق، تستمر إيران في دعم مشاريع اقتصادية مشتركة بين البلدين، مثل مشروع السكة الحديد بين الشلامجة والبصرة، إضافة إلى مشاريع خدمية في الجنوب العراقي، وهو ما يهدف إلى دعم المرشحين المدعومين من إيران في الانتخابات البرلمانية.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين إيران والعراق أكثر من 12 مليار دولار في عام 2024، مما يعكس تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، رغم التحديات.
قائمة المرشحين وتوجهات الانتخابات
تتمثل إحدى السمات البارزة للانتخابات العراقية 2025 في ارتفاع نسبة المرشحين الشباب، حيث يمثل حوالي 40% من المرشحين تحت سن الأربعين، ما يعكس طموحات الجيل الجديد لإحداث تغييرات في النظام السياسي القائم وإنهاء هيمنة شبكات السلطة السابقة.
من بين أبرز المرشحين في هذه الانتخابات، محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء الحالي الذي يقود تحالف “البناء والتنمية”، والذي يسعى لتحقيق ولاية ثانية عبر حملات تهدف إلى تحسين الخدمات العامة ومحاربة الفساد وتعزيز السيادة الوطنية. كما يتنافس تحالف “دولة القانون” بقيادة نوري المالكي، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع إيران، على السيطرة على المجتمع الشيعي.
كما يشارك في الانتخابات حزب التقدم بقيادة محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب، والذي يمثل التحالف السني الرئيسي في العراق، ويدعو إلى إعادة بناء مؤسسات البلاد بعد سنوات من التوتر.
وفي إقليم كردستان، يستمر الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني في الهيمنة على المشهد السياسي، في حين يسعى الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني إلى تعزيز علاقاته مع بغداد.
هل نفوذ إيران مهدد؟
تعد الانتخابات العراقية 2025 محطة هامة في مسار العراق السياسي، في وقت يشهد فيه البلاد استقرارا نسبيا بعد عقود من النزاع. ومع التحديات الداخلية والإقليمية، تبقى إيران واحدة من أبرز اللاعبين الذين يعولون على هذه الانتخابات لحفظ نفوذهم في العراق. من جانب آخر، تبرز أصوات الشعب العراقي التي تبحث عن تغييرات حقيقية، وتستمر الأحزاب السياسية في تحدي الواقع الراهن.
إلى جانب ذلك، تظل قوات الحشد الشعبي والصراع على النفوذ الشيعي في العراق من القضايا الرئيسية التي تشكل ملامح الانتخابات الحالية، بينما تنشغل الحكومة العراقية بمحاولة تحقيق توازن بين علاقاتها مع إيران والولايات المتحدة.










