تستعرض المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) في مصر والأردن نجاحاتها في تصدير الملابس والمنسوجات للسوق الأمريكي دون جمارك، مع استثمارات أجنبية واستفادة من العمالة الرخيصة، وتقديم فرص استراتيجية للشركات الأوروبية والمستثمرين العالميين
تحولت المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) في مصر والأردن إلى مراكز إنتاج استراتيجية تربط المصنّعين في الشرق الأوسط بالسوق الأمريكي للملابس والمنسوجات. وتتيح هذه المناطق تصدير المنتجات إلى الولايات المتحدة دون دفع الرسوم الجمركية، شريطة أن تحتوي بعض المكونات على نسبة محددة من المكونات الإسرائيلية.
في الواقع، أسهمت QIZ بشكل رئيسي في تعزيز صادرات الملابس والمنسوجات، مستفيدة من الإعفاءات الجمركية لتوفير ميزة تنافسية للمصنعين. وعلى مدار العقدين الماضيين، شهدت مصانع QIZ نمواً ملحوظاً، وجذبت استثمارات من رواد أعمال محليين وشركات آسيوية كبرى، رغبةً في الاستفادة من الطلب الأمريكي وتجنب الرسوم الجمركية التقليدية.
الأردن وتجربة QIZ في صناعة الملابس
كان الأردن من أوائل الدول التي اعتمدت مفهوم QIZ، حيث تأسست أول منطقة عام 1997. وأحدثت هذه الخطوة تحولاً كبيراً في صناعة الملابس الأردنية، إذ ارتفعت الصادرات السنوية من حوالي 50 مليون دولار قبل 1999 إلى مليار دولار بحلول عام 2010. وكانت الغالبية العظمى من هذه الصادرات موجهة للملابس، لتصل إلى نحو 93% من إنتاج الأردن من الملابس إلى السوق الأمريكية، مزودة علامات عالمية مثل Gap وWalmart وLevi Strauss وVictoria’s Secret.
وسرعان ما أصبح قطاع الملابس أحد أكبر مصادر التوظيف الصناعي في الأردن، مساهماً بنحو 27% من إيرادات التصدير الوطنية بحلول عام 2019. كما أنشأت شركات أجنبية أو مشروعات مشتركة الكثير من المصانع في مناطق QIZ للاستفادة من الاستقرار السياسي والولوج المجاني للسوق الأمريكية. ومع دخول اتفاقية التجارة الحرة الأردنية-الأمريكية حيز التنفيذ، انخفض الاعتماد على QIZ، إلا أن معظم المصانع لا تزال تتركز في 14 منطقة صناعية أصلية.

مصر ونمو صادرات الملابس عبر QIZ
انضمت مصر إلى برنامج QIZ عام 2004، واستفادت منه بشكل واسع. ومع عدم وجود اتفاقية تجارة حرة ثنائية مع الولايات المتحدة، أصبحت QIZ الأداة الأساسية للوصول للسوق الأمريكية. شهدت صادرات المنسوجات والملابس المصرية زيادة تفوق 30% في السنة الأولى، وبلغت نسبة شحنات QIZ نحو 78.5% من إجمالي صادرات مصر للمنسوجات والملابس إلى الولايات المتحدة بحلول 2006، بما في ذلك 94.5% من الملابس.
وبحلول 2019، بلغت صادرات الملابس المصرية إلى الولايات المتحدة عبر QIZ نحو 1.15 مليار دولار. ورغم التحديات الأخيرة مثل نقص العملة الأجنبية وتعقيدات التوريد بسبب متطلبات المكون الإسرائيلي، يظل برنامج QIZ محورياً للتجارة المصرية، حيث يتركز حوالي 80% من الشركات المسجلة ضمنه في قطاع الملابس.

الأبعاد الاقتصادية والسياسية لإتفاقية QIZ
تم تأسيس QIZ لتعزيز التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والأردن ومصر ضمن جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة. كما توفر QIZ حافزاً اقتصادياً مهماً من خلال الإعفاء من الرسوم الجمركية في السوق الأمريكية، حيث تتجاوز الرسوم على الملابس غالباً 15–30%.
جذبت هذه المزايا مستثمرين أجانب، خاصة من آسيا، حيث أسست شركات صينية وهندية وسريلانكية مصانع الملابس في الأردن. وقدمت مصر مزايا إضافية تشمل تكاملاً عمودياً أوسع، أجوراً أقل، وتكاليف طاقة أفضل، مما دفع بعض المستثمرين إلى الانتقال من الأردن إلى مصر بعد 2005.
كما جعلت الأزمات الجيوسياسية مثل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين صادرات QIZ أكثر جاذبية، إذ تقل التكاليف التشغيلية في مصر مقارنة بتركيا وأمريكا اللاتينية، مع المحافظة على ميزة تنافسية عالية، رغم التحديات اللوجستية والسياسية المتعلقة بالمتطلبات الإسرائيلية.
النجاحات واستراتيجيات التوريد
مع الاتجاه العالمي نحو استراتيجية “China+1” لتوزيع المخاطر، قدمت مصر والأردن خيارات إنتاج منخفضة التكلفة ومستقرة سياسياً. ففي مصر، أُضيفت أكثر من 30 شركة جديدة ضمن QIZ خلال سنة واحدة، بما في ذلك مشاريع هندية وصينية وتركية. وفي الأردن، تتخصص المصانع في الملابس الرياضية مع شحن سريع للسوق الأمريكي.
ومن أبرز قصص النجاح شركة Classic Fashion في الأردن، التي أصبحت أكبر مصنع للملابس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتوظف أكثر من 32 ألف شخص وتنتج نصف مليون قطعة يومياً. بينما توفر مصانع مصرية منتجات للعلامات الأمريكية والأوروبية وتعمل على تطوير عمليات متكاملة مثل مجمع Robbiki، الذي يعتمد على آلات أوروبية حديثة ويضم مرافق متكاملة للإنتاج.
دور أوروبا والابتكار المستدام
تشترك شركات تصنيع الآلات الأوروبية في تحديث بنية QIZ التحتية، وتدعم الجودة والمعايير البيئية، بما في ذلك الطاقة الشمسية ومعالجة المياه. كما يوفر QIZ للشركات الأوروبية فرصة للشراكة والاستثمار طويل المدى، بالإضافة إلى التدريب والدعم الفني.
التحديات وقضايا العمالة والاستدامة
تواجه QIZ تحديات عدة، منها الاعتماد على العمالة المهاجرة في الأردن، وارتفاع التكاليف، بينما تعتمد مصر على القوى العاملة المحلية مع ضغوط اقتصادية وتضخم. كما تثير قضايا الاستدامة اهتماماً متزايداً، بما في ذلك ندرة المياه والتلوث الناتج عن صباغة الأقمشة، ما دفع العديد من المصانع إلى اعتماد حلول مستدامة.
الأبعاد الاستراتيجية للمهنيين العالميين في صناعة المنسوجات
توفر QIZ مزايا استراتيجية مهمة تشمل:
• تصدير معفى من الرسوم الجمركية للسوق الأمريكية.
• تنويع سلاسل الإمداد وفق استراتيجية “China+1”.
• إنتاج منخفض التكلفة.
• فرص شراكة ومشاريع مشتركة وتقنيات متقدمة.
• قيادة التحول نحو الاستدامة في الأسواق النامية.
• الوصول إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية.
الخلاصة
تحولت QIZ في مصر والأردن من أداة سياسية إلى محرك صناعي وتصديري رئيسي، ساعد في تطوير قطاع منافس يخدم أبرز العلامات العالمية. ومع الابتكار والشراكات المناسبة، من المتوقع أن يستمر هذا النمو خلال العقد القادم، مقدماً فرصاً استراتيجية للمستثمرين والمصنعين العالميين.










