تتأرجح إثيوبيا على حافة انهيار منهجي. لقد أفسحت الوعود الكبرى بالإصلاح والوحدة التي رافقت صعود آبي أحمد إلى السلطة الطريق لدولة ممزقة، وحزب حاكم فقد مصداقيته، ومركز سياسي لم يعد قائمًا. ما تبقى هو حكومة محصورة في العاصمة، متمسكة بالزي الرسمي بينما الأمة نفسها تفلت من قبضتها.
سُوّق حزب الازدهار (PP)، المنبثق من رماد الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، على أنه وعاء وطني قادر على تجاوز الانقسامات العرقية. بدلاً من ذلك، انكمش تدريجيًا ليصبح جهازًا محدودًا بالمدينة. بالكاد يمتد نفوذه الحقيقي إلى ما وراء أديس أبابا، حيث يرأس آبي ليس كرئيس وزراء لجمهورية اتحادية بل كعمدة لعاصمة مضطربة. كشف عجز الحزب عن ترسيخ شرعيته في مختلف مناطق إثيوبيا عن خواء مشروعه الوطني.
:حكومة لم تعد تحكم
إن تآكل السلطة ليس عرضيًا، بل هو نتاج سنوات الأخطاء. لقد أدت المركزية المفرطة، والحكم العسكري، وقمع المعارضة إلى نفور المجتمعات في جميع أنحاء أقاليم الأمهرا وتيقراي وعفار وأوروميا. في أمهرا، أدت الاشتباكات بين قوات فانو والقوات الفيدرالية إلى حالة طوارئ تقوض مصداقية الحكومة. في تيقراي، يشوب السلام الهش الذي أعقب اتفاق بريتوريا الانقسامات الفصائلية وتجدد التوترات الحدودية. لا تزال أوروميا تغلي بنشاط المتمردين، بينما تواجه عفار غارات مرتبطة بقوات تيقراي. كل من هذه الصراعات ينتقص من ادعاء المركز الفيدرالي بالسلطة.
إن مشهد احتفالات الدولة، والخطب الرنانة، والتجمعات المنظمة لا يمكنه أن يخفي الحقيقة العميقة: إثيوبيا تُحكم بالاسم فقط، ولكن ليس بالممارسة. لقد فُقد احتكار العنف، وهو الوظيفة الأساسية للدولة. وأصبحت عمليات الاختطاف والاحتجاجات والاشتباكات اللامركزية روتينية. يصف المحللون الوضع بأنه “حرب الجميع ضد الجميع”، حيث تتداخل هويات المقاتلين وتتجذر الفوضى المحلية.
يبدو خطاب آبي أحمد عن الإصلاح، وضبط المالية العامة، والتوسع الصناعي، وإعادة هيكلة الديون أجوفا في ظل التدهور المؤسسي. تُضعف مزاعم عدم وضوح حدود الدولة الحزبية وإساءة استخدام الموارد العامة لأغراض حزبية الثقة في الحكم. اتهمت ائتلافات المعارضة حزب الازدهار بالانجراف نحو الاستبداد وطالبت بالمصالحة الوطنية، بينما تحذر أصوات المجتمع المدني من الانهيار الأخلاقي وتطبيع العنف. حتى وزير خارجية إثيوبيا أقر بأن منطقة القرن الأفريقي تدخل “فترة مضطربة للغاية”، وهو اعتراف نادر بخطورة الأزمة.
أخطاء التوسع: إرتريا والبحر الأحمر
يُفاقم موقف إثيوبيا الخارجي المتهور من انهيارها الداخلي. أُدينت الخطابات والمناورات الأخيرة تجاه إرتريا المجاورة وممر البحر الأحمر على نطاق واسع باعتبارها غير قانونية وتوسعية. فبدلا من التركيز على المصالحة الداخلية، راودت حكومة آبي طموحات إقليمية تزعزع استقرار المنطقة وتنتهك الأعراف الدولية. ولا تقتصر هذه المغامرات على تأجيج التوترات مع إرتريا فحسب، بل تُثير قلق دول البحر الأحمر التي تُبدي قلقها بالفعل من الحكم العسكري لإثيوبيا. وفي سعيه وراء أوهام توسعية، يُخاطر حزب الازدهار بعزل إثيوبيا دبلوماسيا مع تعميق أزمتها الداخلية، فالحكومة التي لا تستطيع الحكم داخليا لا تملك الشرعية لإعادة ترسيم الحدود في الخارج.
هل تنهار إثيوبيا؟
تشير الأدلة إلى أنها على وشك الانهيار بشكل خطير. فسلطة الحكومة الفيدرالية مُجزأة، وشرعيتها موضع نزاع، ومؤسساتها ضعيفة. ومع ذلك، فإن الانهيار ليس حتمياً. فإثيوبيا تحتفظ بجيوب من القدرة الإدارية، والنفوذ الدبلوماسي، والسيطرة الحضرية. السؤال الآن هو ما إذا كان من الممكن استغلال هذه البقايا في تحقيق الاستقرار، أو ما إذا كانت سوف تستهلكها القوى الطاردة المركزية التي تعمل على تفكيك الأمة.
ما يجب تغييره:
إن تجنب الانهيار يتطلب أكثر من مجرد خطاب. إنه يتطلب
حوارا وطنيا شاملا يشرك المعارضة والجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع المدني في مفاوضات ملزمة.
نزع سلاح الحكم، مع المساءلة عن الانتهاكات الأمنية وفصل واضح بين الحزب والدولة.
لامركزية تقديم الخدمات، وتمكين الإدارات الإقليمية من استعادة الشرعية اليومية.
إصلاحات ملموسة تستجيب للمظالم الاجتماعية، من احتجاجات العاملين في مجال الصحة إلى الضائقة الاقتصادية. دبلوماسية إقليمية للتخفيف من المخاطر العابرة للحدود وتحقيق الاستقرار على حدود إثيوبيا المضطربة.
بدون هذه الخطوات، تُخاطر إثيوبيا بترسيخ نموذج دولة المدينة بحكم الأمر الواقع: حكومة محصورة في أديس أبابا، تُشرف على الاحتفالات بينما يحكم باقي البلاد نفسها من خلال الصراع أو المقاومة أو الإهمال.
الحكم:
إن تحول آبي أحمد من زعيم وطني إلى شخصية أشبه برئيس بلدية ليس مجرد سقوط شخصي، بل هو أحد أعراض أزمة إثيوبيا الأعمق. إن انهيار حزب الازدهار كقوة وطنية، وتآكل الشرعية الاتحادية، واستمرار الصراعات متعددة الجبهات، والآن الموقف التوسعي المتهور تجاه إرتريا والبحر الأحمر، كلها تشير إلى دولة على شفا الانهيار. إثيوبيا لم تعلن عن فشل دولتها بعد، ولكنها بلا شك، في طريقها لتكون دولة فاشلة. الخيار الآن واضح: إما إعادة التوازن من خلال الحوار والإصلاح، أو مواصلة الانهيار البطيء نحو التشرذم واللاجدوى.
منارة البحر الأحمر










