صعّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأحد، لهجة الحكومة الإسرائيلية حيال مسار التسوية، قائلاً إن سياسة إسرائيل “واضحة” وهي عدم قيام دولة فلسطينية، مع تأكيد بقاء الجيش الإسرائيلي في قمة جبل الشيخ والمنطقة الأمنية العازلة في سوريا.
وجاءت هذه التصريحات بعد أيام من قول الرئيس السوري أحمد الشرع إن التوصل لاتفاق نهائي مع إسرائيل مرهون بانسحابها من المناطق التي سيطرت عليها منذ 8 ديسمبر الماضي، في إشارة إلى فجوة واسعة بين مواقف الطرفين بشأن ترتيبات ما بعد التصعيد.
وتكتسب تصريحات كاتس دلالة خاصة لارتباطها بملفات متزامنة: مسار غزة، وملف الحدود السورية-الإسرائيلية، وما يُتداول عن صيغ أمنية طويلة الأمد في الجبهتين.
كما أنها تسبق استحقاقات دولية مؤثرة، أبرزها التصويت المقرر الاثنين في مجلس الأمن على مشروع قرار أميركي يرتبط بخطة واشنطن بشأن غزة، ويشمل مساراً نحو إقامة دولة فلسطينية.”
حتى آخر نفق”: غزة بين نزع السلاح والمعادلات الميدانية
في منشور على منصة “إكس”، تعهد كاتس بهدم ما سماه “التحصينات” في قطاع غزة “حتى آخر نفق”، مؤكداً أن نزع سلاح حماس داخل “الخط الأصفر” سيتم بواسطة الجيش الإسرائيلي، بينما في “غزة القديمة” سيُنفذ نزع السلاح عبر قوة دولية أو عبر الجيش الإسرائيلي.
ولم يوضح كاتس المقصود بالحدود الدقيقة لكل من “الخط الأصفر” و”غزة القديمة”، غير أن الإشارة إلى قوة دولية تفتح باب النقاش حول ترتيبات أمنية متعددة الأطراف، ومدى قبول الأطراف الفلسطينية والإقليمية والدولية بها.
وتعكس لهجة وزير الدفاع استمرار الرهان الإسرائيلي على تفكيك البنية التحتية العسكرية والأنفاق، باعتبارها شرطاً لازماً لأي ترتيبات سياسية لاحقة.
لكن هذا المسار يصطدم بسؤال الحكم والإدارة المدنية وإعادة الإعمار، وما إذا كانت أي صيغة أمنية قابلة للصمود من دون إطار سياسي متفق عليه، أو ضمانات دولية واضحة لمرحلة ما بعد العمليات.
معركة المفاهيم:
“لا دولة” مقابل “مسار إلى الدولة”بالتوازي، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رفض تل أبيب قيام دولة فلسطينية “قبل تصويت مجلس الأمن” على مشروع القرار الأمريكي الذي يرسّخ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في غزة، ويشمل مساراً نحو إقامة دولة فلسطينية.
وقال ساعر إن إسرائيل “لن تسمح بإنشاء أي كيان كهذا”، مضيفاً أن إقامة دولة فلسطينية “في قلب أراض إسرائيل، على مسافة ضئيلة من مراكز سكنها ومع سيطرة طبوغرافية عليها” غير مقبول، على حد وصفه.
هذا التباين بين موقفَي تل أبيب وبعض مكونات الطرح الأمريكي يضع العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية أمام اختبار توازن دقيق: كيف تجمع واشنطن بين أهداف أمنية عاجلة في غزة ومسار سياسي أوسع يشمل أفق الدولة، فيما تسعى حكومة إسرائيل إلى قصر النقاش على ترتيبات أمنية طويلة الأمد ونفي الصفة السياسية للدولة؟
جبل الشيخ والمنطقة العازلة: رسائل تتجاوز غزة
تأكيد كاتس على بقاء الجيش الإسرائيلي في قمة جبل الشيخ والمنطقة الأمنية العازلة في سوريا يضيف طبقة إقليمية للصورة.
فقمة جبل الشيخ تُعد نقطة رصد واستطلاع استراتيجية ضمن مشهد الحدود والجولان، بينما ترتبط “المنطقة الأمنية العازلة” بترتيبات فك الاشتباك القديمة وآليات مراقبة دولية مثل قوات “الأندوف”. أي حديث عن بقاء دائم أو طويل الأمد يعقّد أي محاولة لإحياء مسار تفاوضي على الجبهة السورية.
وتأتي هذه الإشارات بعد تصريحات منسوبة للرئيس السوري أحمد الشرع تربط أي اتفاق نهائي بانسحاب إسرائيلي من مناطق سيطرة حديثة.
ومع أن التفاصيل الميدانية تبقى محل جدل وتدقيق، إلا أن رسائل الطرفين تعكس تضاداً في تعريف “الحدود الأمنية” و”الانسحاب”، ما يعيد إلى الواجهة خبرات التفاوض السابقة التي تعثرت عند خرائط الانسحاب والترتيبات الأمنية.
مجلس الأمن على الخط: اختبار نصوص ووقائع
التصويت المرتقب في مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكي يمنح المشهد زخماً إضافياً، فالقرار، كما يُعرض، يهدف إلى وضع إطار للمرحلة التالية في غزة، بما يشمل عناصر أمنية وإنسانية وسياسية.
غير أن استمرار الخطاب الإسرائيلي الرافض لمبدأ الدولة يضع المجتمع الدولي أمام مفارقة: كيف يُرسم “مسار إلى الدولة” إذا كان أحد طرفيه ينفي الهدف النهائي؟
وتتوقف نتيجة هذا المسعى على صياغات النص، وهوامش التوافق بين القوى الكبرى، ومعادلة الميدان. فإذا ربط القرار عناصره بخطوات تنفيذية قابلة للقياس، فقد يخلق رافعة سياسية.
أما إذا بقيت الصياغات عامة، فستستمر الأطراف في ملء الفراغ بتفسيرات متعارضة، ما يترك المسار رهناً بموازين القوة على الأرض.
الحسابات الداخلية في إسرائيل:
ائتلاف وأولوياتتصريحات كاتس وساعر تعكس أيضاً اصطفافات داخلية في إسرائيل تميل إلى تغليب المقاربة الأمنية الصِرف على أي مسار سياسي يؤدي إلى دولة فلسطينية.
وائتلافات الحكم في السنوات الأخيرة، اعتمدت على أحزاب يمينية ودينية ترفض حل الدولتين، وترى في أي كيان فلسطيني سيادي تهديداً مباشراً للأمن والعُمق الاستراتيجي.
من هنا، يصبح التعهُّد بنزع السلاح “حتى آخر نفق” رسالة مزدوجة للجمهور الداخلي والشركاء الخارجيين بأن الأمن يسبق السياسة.
ومع ذلك، لا يلغي هذا التعقيد الحاجة إلى ترتيبات حكم في غزة، إذ إن أي فراغ سلطوي يعرّض إسرائيل لضغوط أمنية وإنسانية مستمرة. لذلك تتكاثر التكهنات حول صيغ “قوة دولية” أو “إدارة مدنية محلية” أو “دور إقليمي”، لكن جميعها تصطدم بعقبة الشرعية والقدرة والقبول الشعبي.










