تتواصل التوترات بين الفصائل الجهادية الناشطة في منطقة الساحل، ضمن مشهد ميداني معقد يجمع بين البعد العقائدي والقبلي والسياسي. وفي تحليلات حديثة، قدم الصحفي والباحث الفرنسي وسيم نصر قراءة معمقة للتطورات الداخلية في صفوف الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة من جهة، وللمواجهات المستمرة بينها وبين تنظيم داعش الصحراء الكبرى من جهة أخرى.
تباين إستراتيجي بين نصرة الإسلام والمسلمين والقاعدة في بلاد المغرب
بحسب ما يورده نصر، لا يوجد ما يشير إلى أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQIM) طلب بشكل صريح من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) التوقف عن تطبيق الشريعة الإسلامية، كما تم تداوله في بعض النقاشات.
ويصف نصر هذا الادعاء بأنه تفسير مبالغ فيه للتوتر القائم بين الطرفين، إذ يتمحور الخلاف داخل المعسكر القاعدي حول أسلوب التطبيق وليس حول مبدأ الشريعة ذاته.
نهجان مختلفان داخل مظلة القاعدة
تنظيم القاعدة في بلاد المغرب يميل – وفق التحليلات – إلى نهج أكثر براغماتية، خشية تنفير الحاضنة القبلية والمحلية.
جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بقيادة إياد أغ غالي، ومعها كتيبة ماسينا بقيادة أمادو كوفا، تتمسك بخط متشدد يقوم على تطبيق صارم للشريعة في المناطق التي تبسط نفوذها عليها.
وينقل نصر عن مقابلات حديثة، بينها مقابلة مع كوفا، أن قيادات “نصرة الإسلام” تعتبر أن هذا التطبيق “غير قابل للتفاوض”، ما يعمق التباين داخل التيار القاعدي في الساحل.
اندلاع الحرب بين “نصرة الإسلام” وداعش: البدايات والتصعيد
يشير نصر إلى أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كانت الطرف الذي بادر بالتصعيد المسلح ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، بعد فترة من التعايش الحذر بين الطرفين خلال الأعوام الأولى للتوسع الجهادي في الساحل.
من التعايش إلى القطيعة
حتى عام 2016 تقريبا، كان هناك توازن غير معلن بين الجماعتين، لاحقا أدت الطموحات الإقليمية والخلافات العقائدية والانشقاقات القبلية إلى انهيار هذا التوازن.
محطات رئيسية للصراع (وفق التسلسل الذي يعرضه نصر)
2019 – بداية الاحتكاك
وقعت اشتباكات محدودة، فيما بدأت JNIM تتهم خصومها بارتكاب مجازر لتشويه صورتهم أمام السكان.
2020 – تحول إلى حرب مفتوحة
اندلعت معارك واسعة بين الجانبين، في مناطق متفرقة من مالي والنيجر، خلفت عشرات القتلى.
وحاولت JNIM طرد داعش من مناطق ذات غالبية فولانية تعتبرها مجالا حيويا لها.
2022 – ذروة العنف
شهدت مناطق مثل تيسيت مواجهات عنيفة، مع تبادل الهجمات وسيطرة متغيرة على القرى، ودفع المدنيون الثمن الأكبر في شكل نزوح ومجازر وحرق ممتلكات.
2025 – صراع مستمر
تستمر المواجهات بشكل متقطع لكنها شديدة. وتشير تحليلات نصر إلى أن الصراع اتخذ طابعا عرقيا – قبليا متشابكا مع الانقسام العقائدي، خصوصا داخل مجتمع الفولاني.
لغة متشددة وخطاب تعبوي
يرصد نصر في خطاب الجماعتين تبادلا لوصف الآخر بألفاظ ذات حمولة دينية تقليدية مثل “الخوارج”، مع تصاعد لغة التحريض المتبادلة. ويرى أن هذا الخطاب يعكس تحول الصراع إلى مواجهة وجودية لا تبدو قريبة من التسوية.
سيناريوهات مستقبلية للصراع الجهادي في الساحل
قبل الانتقال إلى السيناريوهات، تجدر الإشارة إلى أربعة محددات تتحكم في اتجاه الصراع تماسك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في ظل تعاظم نفوذ كتيبة ماسينا والانقسامات المحلية.
وكذلك مدى قدرة داعش على استغلال الفضاء الحدودي بين مالي والنيجر حيث الدولة شبه منهارة، وأيضا دور قوات فاغنر/القوات الروسية مقابل تراجع الوجود الفرنسي.
بالإضافة إلى تطور الانقسامات داخل المجتمعات المحلية وخاصة بين الفولاني والطوارق.
هذه العوامل تشكل الإطار الذي ستتبلور ضمنه السيناريوهات التالية.
السيناريو الأول: تفكك تنظيم داعش الصحراء الكبرى واستعادة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هيمنتها الإقليمية في منطقة الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا.
وهو سيناريو مرج بدرج متوسطة، ويعتمد على ينجح تحالف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في استثمار شبكاته القبلية العميقة، خصوصا في وسط مالي، ويعيد فرض سيطرته على مناطق نفوذ داعش بين 2026–2028.
يتراجع داعش الصحراء الكبرى إلى جيوب معزولة في شمال النيجر.
يرجع ذلك إلى إنهاك داعش بفعل خسائر داخلية وانشقاقات، دعم ضمني توفره مجموعات قبلية تخشى تمدد داعش، تكيف نصرة الإسلام مع الضغوط العسكرية، بما في ذلك تفاهمات غير معلنة مع سلطات انتقالية محلية.
العوامل المؤدية لهذا السيناريو انحسار تمويل داعش في تيلابيري، واستمرار جاذبية نموذج “الحكم المحلي” الذي تطرحه نصرة الإسلام، وتحسن تكتيكات نصرة الإسلام ضد الكمائن والهجمات الانغماسية لداعش.
النتائج المتوقعة، انخفاض كبير في الصراع بين الجانبين بحلول 2029، توسع نصرة الإسلام في الإدارة المحلية، مع فرض قواعد شرعية أكثر تنظيما، وتهميش داعش بشكل مشابه لما حصل في ليبيا بعد 2017.
السيناريو الثاني: صعود داعش في النيجر وتمدده غربا
يستغل تنظيم داعش الصحراء الكبرى الفراغ الأمني في النيجر بعد 2025، خاصة إذا دخلت البلاد في أزمة سياسية ممتدة أو شهدت مواجهة بين الجيش وفصائل محلية.
يتوسع داعش من تيلابيري إلى غاو ومن ثم إلى تخوم موبتي، مستفيدا من تجنيد شبان فقراء من الفولاني، وانهيار المبادرات المحلية، وانسحاب قوات دولية إضافية.
العوامل المؤدية لهذا السيناريو، تراجع دور فاغنر بسبب صراعات داخلية روسية أو إعادة انتشار، وانقسامات داخل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بين معسكر إياد أغ غالي ومعسكر كوفا، وزيادة العنف ضد المدنيين ما يخلق “طلبا على الحماية” من داعش.
النتائج المتوقعة هي انتقال مركز ثقل داعش من “تنظيم صحراوي” إلى “تنظيم مناطقي” له عمق اجتماعي، وزيادة في العمليات النوعية كسيارات مفخخة، هجمات على قواعد عسكرية، خطف عبر الحدود، وتراجع كبير في قدرة نصرة الإسلام على الحفاظ على وحدة صفها.
السيناريو الثالث: صراع طويل متوازن بلا حسم
يستمر الصراع بين نصرة الإسلام والمسلمين وداعش الصحراء الكبرى في حالة “توازن دموي”، واحد من أكثر أنماط الصراع شيوعا في حالات انهيار الدولة.
لا ينتصر أي طرف، ولا ينهار الآخر، بل تتشكل خطوط تماس دائمة بين مناطق نفوذ كل جماعة.
العوامل المؤدية لهذا السيناريووهي استمرار دعم فاعلين محليين لكلا الطرفين، لأسباب قبلية واقتصادية، وقدرة داعش على شن هجمات خاطفة رغم فقدان الأراضي.
وكذلك مرونة نصرة الإسلام والمسلمين واعتمادها المتزايد على الحكم المحلي الذي يخلق “دولة ظل”.
النتائج المتوقعة، صراع منخفض–متوسط الحدة لكنه طويل الأمد، وازدياد معاناة المدنيين، بما يشمل عمليات تهجير واسعة، تحول الساحل إلى مسرح صراع مستمر يشبه ما حدث في أفغانستان بين 1992–2001.
السيناريو الرابع: إعادة تشكل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عبر انقسام داخلي
تنشأ توترات متفاقمة داخل JNIM بين جماعة إياد أغ غالي (الطوارق)، وجماعة أمادو كوفا (الفولاني) وينتهي الأمر بانقسام فعلي أو انشقاقات كبيرة، خصوصا خلال 2027–2028، وهنا قد يستغل داعش الفوضى ويستعيد مناطق فقدها.
العوامل المؤدية لهذا السيناريو اشتداد تدخلات دول إقليمية تستخدم جماعات بعينها كأدوات نفوذ، وتراجع سلطة القيادة المركزية داخل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.وأيضا صدامات بين الطوارق والفولاني تعيد إنتاج الانقسام داخل الجماعة.
النتائج المتوقعة تفكك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على النمط الصومالي (محاكم/أجنحة)، وتوسع داعش، وإن بقي محدودا جغرافيا،وتبديد القدرة العملياتية للقاعدة في الساحل.
السيناريو الخامس: عودة قوة الدولة (مالي أو النيجر) وتراجع الطرفين
تبدأ حكومة مالية أو نيجيرية أو بوركينابية — ربما بدعم روسي أو إقليمي — بإعادة بناء قدرات الدولة بين 2026–2030، عبر إستراتيجية تجمع بين تشكيل قوات محلية متماسكة، ومفاوضات مع بعض الفصائل، ودمج عناصر قبلية داخل الهياكل الأمني وهو ما ينتج عن ذلك تراجع واضح لكل من نصرة الإسلام وداعش.
خلاصة إستراتيجية (2025–2030)
الاحتمال الأكبر هو صراع متوازن بلا حسم، مع استمرار عمليات متبادلة بين نصرة الإسلام وداعش ضمن مناطق محددة.
الاحتمال الثاني هو هيمنة تدريجية لـ نصرة الإسلام في بعض المناطق، خصوصا إذا بقيت شبكاتها الاجتماعية متماسكة.
الأخطر — وإن لم يكن الأكثر احتمالا — هو عودة صعود داعش في حال انهيار المنظومة الأمنية في النيجر.
السيناريو الأقل احتمالا هو عودة الدولة كمنظم مركزي يفرض السيطرة على الأطراف المسلحة.
