تونس تستضيف منتدى الذكاء الاصطناعي المتوسطي لبحث مسار تكنولوجي مستقل بعيدًا عن هيمنة الشركات الأمريكية والصينية، مع التركيز على حلول الذكاء الاصطناعي المحلية والبنية التحتية ووقف هجرة العقول. تعرف على أبرز الرسائل والتحديات والفرص.
احتضنت تونس هذا الأسبوع فعاليات منتدى Mediterranean AI Forum (FMIA)، الذي جمع مئات القادة في مجالات التكنولوجيا، والمستثمرين، والمسؤولين الحكوميين، بهدف رسم نهج مستقل في عالم الذكاء الاصطناعي، بعيدًا عن الاعتماد على منتجات وبيانات شركات وادي السيليكون أو البنية التحتية الصينية.
على عكس المؤتمرات التقليدية التي تركز على روبوتات الدردشة وتطبيقات التواصل الاجتماعي، انصبّت نقاشات المنتدى على تطبيقات عملية تواجه دول المنطقة، مثل إدارة المياه والتنبؤ بالمحاصيل، وهي ملفات تُعد من أكبر التحديات التي يفرضها المناخ والموارد في جنوب المتوسط.
ويهيمن على سوق الذكاء الاصطناعي حاليًا عمالقة أمريكيون مثل OpenAI وGoogle وMicrosoft، عبر خدمات سحابية تقدم كفاءة كبيرة لكنها تخلق تبعية استراتيجية. في المقابل، توسّع الصين نفوذها عبر “طريق الحرير الرقمي”، حيث رسّخت شركات مثل هواوي وجودها في شبكات الجيل الخامس وأنظمة الألياف الضوئية.
وتسعى فرنسا إلى لعب دور “الجسر الوسيط” لدول المتوسط. فقد أكدت نادية هاي، سفيرة فرنسا والمندوبة الوزارية لشؤون البحر المتوسط، أن بلادها تمتلك 81 مختبرًا للذكاء الاصطناعي – وهو أكبر عدد في أوروبا – ما يجعلها شريكًا محتملًا للدول الباحثة عن بديل لا أمريكي ولا صيني. وتشدد باريس على نهج “التطوير المشترك” بدل معاملة دول الجنوب كمستهلكين فقط، في وقت تتوقع فيه التقديرات أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي إلى 740 مليار دولار بحلول 2030 بمعدل نمو يتجاوز 36 بالمئة سنويًا.
وبالتوازي مع الجلسات الرئيسية، استضاف المنتدى هاكاثونًا موجّهًا لفرق ناشئة تعمل على تطوير حلول ذكاء اصطناعي مخصصة للمشكلات المحلية، تحت إشراف خبراء يسعون لتحويل أفكار المشاركين إلى نماذج أولية قابلة للتمويل.
ويهدف الحدث كذلك إلى الحد من هجرة العقول التونسية في مجال الذكاء الاصطناعي إلى أوروبا. إلا أن تحديات البنية التحتية ما زالت كبيرة؛ فغياب مراكز بيانات محلية يعرّض البيانات الحساسة للخطر، كما أن تشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي يتطلب طاقة ضخمة في منطقة تعاني نقصًا كهربائيًا هيكليًا. ورغم امتلاك شمال أفريقيا لإمكانات هائلة في الطاقة الشمسية، إلا أن تحويلها إلى مصدر طاقة ثابت لمراكز البيانات يحتاج إلى استثمارات بمليارات الدولارات.
وتعمل تونس، ضمن استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي 2025–2030، على تحفيز القطاع عبر حوافز ضريبية وبيئات تجريبية تنظيمية (regulatory sandboxes) إضافة إلى دعم الشركات الناشئة عبر Startup Act. وتشمل الخطة أيضًا خلق “زبائن حكوميين مضمونين” من خلال رقمنة الخدمات العامة مثل السجلات الصحية والمحاكم والإدارة، بما يوفر سوقًا محلية مستقرة للشركات الناشئة في المجال.
ويُجسد منتدى FMIA تصميمًا متزايدًا لدى دول المتوسط على بناء منظومة ذكاء اصطناعي سيادية، محلية الجذور، وقادرة على المنافسة عالميًا، بعيدًا عن الهيمنة التكنولوجية التي تمارسها القوى الكبرى.










